الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي (12)

  • 79

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

نشر بدع الإسماعيلية في جامع أحمد بن طولون:

في يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الثاني (359هـ - 970م) أمر جوهر الصقلي المؤذنين في جامع أحمد بن طولون بالأذان بحيَّ على خير العمل، الذي ابتدعه الشيعة في الأذان ليختلفوا عن أهل السنة، وبعد وقت يسير استعملت هذه العبارة في مسجد العسكر، وفي جامع عمرو بن العاص؛ وقد أظهر جوهر سرورًا بذلك، وأرسل إلى المعز لدين الله يبشِّره بهذه الأنباء، ولقد حضر جوهر بنفسه صلاة الجمعة في جامع أحمد بن طولون، كما حضر عدد كبير من الناس.

وقد أدَّى الخطبة عبد السميع بن عمر العباسي إمام وخطيب جامع عمرو بن العاص، وقد أشاد في خطبته بذكر أهل البيت، وعَدَدَ مناقبهم، كما أمر جوهر الإمام أن يجهر بالبسملة في الخطبة والصلاة، والقنوت في صلاة الجمعة بعد الركعة الثانية! وكان القنوت في الجمعة من المحدثات والبدع؛ فقنت الإمام في الركعة الثانية، ونزل إلى السجود قبل أن يركع، فصاح به علي بن الوليد قاضي عسكر جوهر قائلًا: بطلت الصلاة، أعد ظهرًا أربعًا.

 وقد أسند جوهر الصقلي رئاسة الخطباء بمصر إلى عبد السميع الذي بدأ في نشر المذهب الشيعي من فوق المنابر، فأذاع خطبهم، ومدح أئمتهم، وكان ذلك لأول مرة في جامع أحمد بن طولون.

يتبيَّن مما سبق: أن جامع عمرو بن العاص هو أول مسجد بدأت الخطبة للفاطميين فيه، ثم المساجد الأخرى، وأن الأذان على المذهب الشيعي بدأ من جامع أحمد بن طولون، ثم المساجد الأخرى.

نشر بدع الإسماعيلية في الأزهر الشريف:

لقد اتخذ الفاطميون من الأزهر الشريف مركزًا لنشر مبادئ المذهب الإسماعيلي، وكانت أول جمعة تقام فيه في السابع من رمضان سنة (361هـ - 972م)، وفي الجامع الأزهر أصبح جوهر أكثر حرية في نشر عقائد مذهبه داخل أسوار القاهرة، دون أن يلقى معارضة من أهل السنة، وعندما وصل المعز إلى القاهرة، تطور الأمر من حيث تنظيم الدعوة الفاطمية على يد الخلفاء أنفسهم.

فلقد اتخذ المعز وابنه العزيز من بعده الجامع الأزهر لإقامة خطبة الجمعة حتى سنة (380هـ - 990م)، فلما فُتح مسجد الحاكم أصبحت الخطبة تقام في مساجد: عمرو بن العاص، وأحمد بن طولون، والحاكم، والأزهر على التوالي.

ومن أهم التغييرات التي أمر بها المعز عند وصوله إلى مصر، أن يُنقش على جدران الفسطاط عبارة: "خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب"، كما صلى المعز لدين الله صلاة العيد سنة (363هـ - 974م) في مصلى القاهرة التي بناها جوهر في خارج باب النصر سنة (358هـ -969م) على الطريقة الإسماعيلية! حيث قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الغاشية، ثم كبر وأطال الركوع والسجود، فسبح نيف وسبعين تسبيحة في كل ركعة وسجدة!

وكان القاضي محمد بن النعمان يبلغ عنه التكبير، ثم قرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الضحى ثم كبر، وفعل ما فعله في الركعة الأولى، وعندما فرغ المعز من الصلاة صعد المنبر، وسلَّم على الناس يمينًا وشمالًا، وكان معه على المنبر جوهر الصقلي، وابن عمار، وشفيع صاحب المظلة! ولم يكن من عادة أهل السنة أن يكون أحد على المنبر مع الخطيب.

وما لبث الأزهر الشريف حتى أصبح مدرسة لنشر العلوم ومنهج الدولة الجديدة والفكر الشيعي، وكان أول مَن فكر في تحويله إلى منشأة علمية، يعقوب بن كلس الذي كان يدين باليهودية ثم دخل في الإسلام، كما أنه من أشار على المعز الفاطمي بغزو مصر، وعندما تقلَّد الوزارة عمل على تشجيع العلوم والأدب.

وقد بدأت تلك الفكرة حين قام أبو الحسن علي بن النعمان المغربي قاضي القضاة بشرح كتاب الاقتصار الذي ألَّفه والده، وهو كتاب جمع المسائل الفقهية المستمدة من أئمة أهل البيت -كما يزعمون-؛ كما دَرَسَ الوزير يعقوب بن كلس رسالة ألفها في الفقه على المذهب الإسماعيلي، كان قد سمعها من المعز وابنه العزيز، سماها الرسالة الوزيرية؛ وهو الذي أشار على العزيز بتحويله إلى جامعة، وقد كان قاصرًا على إقامة الدعوة الفاطمية؛ وقد حرص الحكام الفاطميون على جعل الأزهر مكانًا لنشر مذهبهم حيث يأتي إليه الطلاب الذين كانوا يوفِّرون لهم أسبابَ المعيشة مِن: مسكن، ومأكل، وكل أسباب الراحة، لكي لا ينشغل الطلاب بغير تحصيل العلوم؛ وكان على رأس هذه العلوم تعلُّم المذهب الشيعي.

وللحديث بقية إن شاء الله.