من فقه السيرة

  • 149
فقه السيرة

من غزوات الإسلام العظام الفارقة في تاريخ الأمة غزوة الأحزاب (الخندق) التي حدثت في شهر شوال في العام الخامس من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قام حيي بن أخطب وهو حبر من أحبار اليهود بتأليب المشركين من قريش وغطفان وقبائل شبه الجزيرة العربية على الإتيان إلى المدينة واستئصال شأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- في عشرة آلاف مقاتل، أكثر من عدد المدينة من الرجال والنساء والصبيان، إليك بعض المواقف والدروس المستفادة من هذه الغزوة المباركة استذكارًا لتاريخنا العظيم ونبراسًا وقدوة لشباب الأمة.



1-   الموالاة والتحالف بين اليهود والذين أشركوا، وخطر اليهود العظيم في إفساد البشرية كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}.

2-   اجتماع قوى الشر والباطل للقضاء على أمة الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ".

3-   أهمية المشورة، فكان النصر بسبب رأي سلمان الفارسي رضى الله عنه قال: "إذا حوصرنا خندقنا"، قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}، {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.

4-   القدوة العملية والقيادة الميدانية في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو يحفر الخندق معهم ويجوع معهم وينشد معهم، ويشاركهم وجدانيًا ويصبرهم، ولا يجلس في برج عال بعيدًا عن الصحابة وجنوده.

5-   التبشير بالنصر والتمكين وبث الأمل والتفاؤل في أحلك الظروف بعد أن ذكر من حال المؤمنين {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} وقال الصحابة "أحدنا لا يستطيع يخرج لقضاء حاجته من الجوع والبرد والريح"، فعندما عرضت صخرة عظيمة للصحابة ضربها النبي -صلى الله عليه وسلم- بفأسه ثلاث ضربات وبشرهم بقصور المدائن والفرس والشام وصنعاء واليمن.

6-   ما زال خطرالنفاق في تثبيط الهمم والهزيمة النفسية خطر عظيم على أمة الإسلام، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا}.

7-   معرفة طبيعة الطريق والسنة الكونية قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.

 

8-   نقض العهد من بني قريظة واليهود، سمة من سماتهم {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}، {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.

9-   الجندية والسمع والطاعة، عندما أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان للإتيان بخبر القوم ما كان له أن يتخلف، وكذلك فقه حذيفة والتزامه بالمهمة بدون تجاوز أو تهور أو اندفاع مع قدرته على قتل أبي سفيان رأس الكفر يومئذ، ولكن تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تذعرهم علينا لا تحدث في القوم شيئًا"، فهي رسالة لكثير من شباب الصحوة بسبب العنف والتكفير، فالتسرع وعدم تقدير المصالح والمفاسد وفقه المآلات والنوازل يجرون الأمة الإسلامية إلى معارك لا قبل لهم بها، ويشوهون صورة الإسلام و يستفزون ويستعجلون نوازع الشر في نفوس الكفرة والظالمين.

10-     الدعاء مفتاح النصر، ظل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي طوال الليل ويدعو ويستجلب أسباب النصر من السماء "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ".

11-     مواقف فردية مشرفة من شجاعة علي بن أبي طالب في المبارزة، وكذلك صفية بنت عبد المطلب في دفاعها عن حصن النساء من خيانة بني قريظة.

12-    موقف أبي لبابة عندما أخبر يهود بني قريظة بحكم الله فيهم،  فنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

13     سعد بن معاذ سيد الأنصار عندما حكم في بني قريظة بأن يقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وزراريهم، ولم تأخذه في الله لومة لائم، ولم يراع حمية أو تحالف الجاهلية، ومات في هذه الغزوة واهتز لموته عرش الرحمن، وحضر سبعون ألفًا من الملائكة جنازته.

14-                     جواز مهادنة المشركين بدفع مال لهم مع أن فيه ذلة وصغار؛ لدفع صغار متوقع أعظم منه، وذلك عند الضرورة، عندما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة فأبى سعد بن عباده وسعد بن معاذ.

15-                     البركة والمعجزة الحسية من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما دعاه أحد الأنصار هو ونفر من أصحابه إلى أكل شاة، فأكل منها الجيش كله، وفاض لأهله الطعام.

16-                     جواز الإنشاد عند الأعمال الشاقة والسفر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول وهو يحفر الخندق: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة" والصحابة يرددون "نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدا".

17-   قال صلى الله عليه وسلم عن المشركين: "مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا, كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ" وقال بعد غزوة الأحزاب: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا".

18-    تأييد الله لعباده المؤمنين بالملائكة والرياح: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}.