أمي الغالية

ست الحبايب

  • 562
أرشيفية

حين يُقال "أم" بأي لغة؛ فهي الحب الأول والحضن الدافئ والعطاء المستمر، والرحمة التي تتعجب منها وتثق فيها، حتى صارت مضرب المثل في الرحمة، ويكفي دليل على عظم تلك الرحمة أن النبي ﷺ حينما أراد أن يصور لصحابته الأطهار مثلًا ليقرب إليهم رحمة الله بخلقه؛ ذكر رحمة الأم  كما حدّث عمر ُبنِ الخطاب -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا وَاللَّهِ، فَقَالَ: للَّهُ أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا متفقٌ عليه.

الله أرحم منها -جل وعلا- وله المثل الأعلى، وهي المثل الحاضر للرحمة في العقول معنى وتصورًا، الملموس حسًا ومرأى، فمن منّا لا يقر بذلك إن لم يدركها حال حملها به وضعفها ووضعه وإجهادها أو رضاعه وفطامه وربما طفولته المبكرة التي ينساها، كلٌ منا، بتفاصيلها والمعالمَ، فقد أدركها وعاين الرحمة والبر والشفقة التي لا تفتر، والرعاية التي تتخطى حدود المكان لتلاحقك أينما تذهب، من لم يدرك ذلك فينا  وقتها، أدرك ذلك وهو غلام ولمسها وهو يافع وشاب، وتيقنها وهو كهل، وكم شكرها وهو  شيخ أشيب، ولمس تسامحا لا حد له وحرصًا لا دافع خلفه.

إنها الأم، مهما كبرتَ واستغنيتَ وتمكنتَ؛ فيبقى كفُّها ممدودًا إليك يعطي ويربت ويمس حنانا، ويتفقدك، ولو صار الكف مرتعشًا ضعيفًا، لكنه يبقى رمز العطاء والرحمة، هي أمك ثم أمك ثم أمك لأنك عندها أنت ثم أنت ثم أنت فهل بعد مسيرة العطاء والبذل يختزل برها في يوم؟!

لقد أوصانا الله بوالدينا ولم يضرب لذلك تاريخًا ولا حدد له زمنًا وهُو مصرف الأيام، يحكم ما يريد والخلق طوع له، فمن أين أتوا بالواحد والعشرين من مارس؟ لسنا بإسلامنا نحتاج إلى مارس لنبرّ والدينا.

 فقد عطف الله شكر الوالدين على شكره قضاءً مبرمًا حيث قال {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، وقال فيها سفيان بن عيينة: "من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه أدبارهن فقد شكر والديه"، لا ذكرى بهدية أو زيارة في مارس وانتهى، فالبر عمر لا يوم، ربما الغرب احتاجوا هذا اليوم؛ ليذكروا أن لهم أمهات قد نُسِيت طوال العام، فمنحوها يومًا وحيدًا  ليرفعوا فيهعن نفسهم الحرج من شحِّهم في البر ، أما نحن ديانةً برها على الأيام ممتد حتى مماتنا، ونعوذ بالله أن نحذو حذوهم في يوم برهم اليتيم المفتري.