أزمة أخلاق تُفّجِر مأسي واضطرابات وتهدد بتفكك المجتمع

جرائم القتل والانتحار نتيجة واضحة لمحاولات "التغريب ونشر الإباحية والشذوذ"

  • 80
الفتح - أزمة أخلاق

ما بين اللهو والانصياع لشهوات الحياة وانتشار وسائل الفتنة والانجراف وراء الرزيلة والشائعات وسوء الظن وتتبع عورات الناس وأخبارهم، والسقوط في فخاخ الكذب والأطماع والأحقاد والابتعاد عن أداب وتعاليم ديننا وعقيدتنا السوية ونهج الأنبياء والرسل وسنَّة وخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ اندثرت الأخلاق الحميدة والسجايا الفاضلة والسلوك القويم، وانتشرت جرائم ومخالفات وآثام الناس بحق أنفسهم ومجتمعهم ودينهم، وباتت مجتمعاتنا الإسلامية والعربية تواجه كارثة أخلاقية تنذر بمزيد من المأسي والأزمات.

فما حوادث القتل والانتحار والفساد وغيرها التي شاعت وانتشرت في مجتمعاتنا اليوم إلا صنيعة أيدينا وفساد أخلاقنا وترك قيمنا وأركان ديننا، كما أن تلك الحوادث لم تعد أكبر مشاكلنا بل أن حرب الغرب ضدنا والتي يستخدم فيها بني جلدتنا من العلمانيين والمنخدعين في حضارة الغرب المزيفة، أضحت أكثر شراسة ما بين محاولات للنشر الشذوذ وهدم ثوابت الدين وفرائضه وأركانه، وإن لم ينتبه المجتمع بكافة مكوناته لمخاطر سوء الأخلاق الذى تفشى في المجتمع والأخذ بأدوات ووسائل النهوض والتمسك بالخلق الحميد وشريعة رب العالمين ستلاحقنا الأزمة بعد الأخرى والحوادث المؤسفة وستكون أخبار القتل والانتحار والسرقة سائدة بيننا أضعاف ما هي عليه اليوم.

ولذا فإن الواقع الحالي يتطلب عقول يقظة لما يحاك من ورائها وقلوب قوية لا تنكسر إرادتها في أتون الشبهات والشهوات لتحيا أمتنا بأخلاقنا الحسنة، وللمرور من تلك الأزمة الأخلاقية والفكاك من السلوك الغير قويم والانتصار على مكائد الشيطان.

وعن أزمة سوء الأخلاق والتغريب، قال الدكتور يونس مخيون رئيس شيوخ حزب النور، إن مفهوم التغريب باختصار هو محاولات الغرب صبغ المجتمعات الإسلامية بالصبغة الغربية بدلا من الصبغة الإسلامية، وذلك فى شتى مناحي الحياة التشريعية والأخلاقية والقيمية والسلوكية والعلاقات الاجتماعية حتى في السمت والمظهر ، بحيث يفقد المجتمع هويته الإسلامية وارتباطه بدينه الذي هو مصدر عزته وسبب انتصاره وتفوقه.

وأشار مخيون في مقال له نشرته "بوابة الفتح" إلى أن العولمة هي أن يكون العالم قرية واحدة تسودها قيم واحدة وأخلاق واحدة، وهي قيم القوي المنتصر كما قال ابن خلدون في مقدمته : إن المهزوم مولع بتقليد المنتصر،  بحيث يندمج المسلمون في الحضارة الغربية في فلسفة الحياة القائمة عندهم دون تقيد بدين أو شرع أو أخلاق.

وحذ مخيون من تفشي أزمة الأخلاق التي يعيشها المجتمع الغربي في المجتمعات الإسلامية ومن استراتيجية الغرب وسعيه الدؤوب والمستمر لتصدير أزمة أخلاقهم لنا، ولإفساد مجتمعاتنا وانهيارها أخلاقيًا، مشيرًا إلى محاولات فرض الشذوذ وتقويض دعائم الأسرة داخل  المجتمعات الإسلامية بكل قوة.

وشدد مخيون على ضرورة أن نحصن أولادنا وأن ننشئهم على الفضيلة و المعاني الإيمانية والاقتداء بمنقذ البشرية رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته وعلماء الأمة ورجالها والاعتزاز بهذا الدين العظيم الذى نحمد الله أن هدانا إياه.

وفي ذلك السياق، قال غريب أبو الحسن عضو الهيئة العليا والمجلس الرئاسي لحزب النور، إن انتشار الهواتف الذكية في أيدي أبنائنا ومشاركة صناع المحتوى صالحهم وطالحهم في تربية أبنائنا، بالإضافة لهذا السيل من المحتوى الغريب على ديننا وقيمنا؛ تسبب في وجود صور من الانحراف لم نكن نرصدها في المجتمع.

وأكد أبو الحسن في تصريحات خاصة لـ"الفتح"، أنه أصبح سهلًا مشاهدة صور الشذوذ والانحراف وبات يسيرًا أن نشاهد الجرائم الحقيقية بالإضافة إلى محتوى من التفاهة لا يحصى وصناع المحتوى المبهر والذي يستهدف الاختراق الفكري للعبث بالمعتقد والدين والقيم فالجرائم العائلية والجرأة على انتهاك الحرمات  وجرائم الحصول على المال بكل سبيل.

وأشار أبو الحسن إلى انتشار صور الاغتراب عن المجتمع فالشاب الذي بنى ثقافته من خلال العالم الافتراضي ومحتوى صناع المحتوى يجد نفسه بعيدا عن ثقافة مجتمعه منفصلا عنه ، وهذا أمر شديد الخطورة لأنه كلما زاد الانفصال عن المجتمع والابتعاد عنه يكون الشاب فريسة سهلة يستخدمها كل أعداء البلاد في تحطيم مجتمعه الذي لم يعد يشبهه فيسهل الصدام معه.

ولفت عضو رئاسي النور إلى تراجع دور محاضنا التربوية الأساسية مثل المسجد والمدرسة والاسرة تدرج حجم الخطورة التي تهدد مجتمعنا.

وعن سبل ووسائل حماية أبنائنا ومجتمعاتنا من ذلك الاغتراب وسوء الأخلاق، فلابد من استعادة دور المسجد بوضع أئمة تدرك خطورة المسئولية الملقاة على أعناقهم و تكثيف الأنشطة داخل المسجد واستعادة دوره المستقر في وجدان كل مسلم، واستعادة دور المدرسة والتي محركها الأساسي مدرس قد تم تأهيله تربويا قبل تأهيله علميا ويدرك أنه صانع الأجيال وملهم الطلاب وباني الحضارة ، يزرع في الطلاب الأدب والأخلاق مع العلم والمعرفة.

وشدد أبو الحسن على دور رب الأسرة والأم أن يضعوا على سلم أولوياتها في الدنيا اخراج أبناء صالحين مصلحين وأب يحمي ويدفع عنهم أخطار الشبهات والشهوات وأم قد تفرغت لأسرتها وإسعادها وبناء معاني الخير والأخلاق و المرؤة كما تبنى القلاع الحصينة وتحتاج لأب يبني معها ويقف كذلك حارس ومتابع وموجه.

ويرى المهندس سامح بسيوني رئيس الهيئة العليا لحزب النور، إن ظاهرة التفلت الديني والقيمي والانفلات الأخلاقي المنتشر الآن في المجتمع بين كل الفئات العمرية من الجنسين والتي تتعدد  صورها من اعتداء على الأعراض وتحرش واغتصاب وعنف وقتل أو أخذ أموال بغير حق أو إذلال وقهر للغير ...إلخ؛ ما هي إلا أعراضا لأمراض مهلكة منتشرة في جسد المجتمع نتيجة لضعف وقلة جرعات المناعة اللازمة لمقاومة شهوات النفس البشرية.

وأكد بسيوني في تصريحات خاصة لـ "الفتح"،  أن النفس البشرية بطبعها أمارة بالسوء ولا يمنعها عن ذلك -إن كانت في اتزانها العقلي- إلا لجام الخوف من الله والحرص على رضاه أو الخوف من العقوبات المادية التي قد تحل بها.

وأوضح بسيوني أن الحلول الناجحة لمواجهة هذه الأعراض المستشرية الآن في المجتمع ترتكز على علاج تلك الأمراض علاجا جذريا يُذهب العرض ويحافظ على قوام وصحة الجسد في المستقبل، مضيفًا أنها مسئولية جماعية تقع على عاتق الجميع من آباء وأمهات في نطاق الأسرة، ومصلحين ومربين في نطاق المجتمع، وسياسيين وحكومات في نطاق القوانين والتشريعات

وأشار بسيوني إلى عدة واجبات على الوالدين القيام بهم لحماية المجتمع من سوء الأخلاق وأضراره على الأبناء والأسرة والبلاد، مؤكدًا على ضرورة ممارسة مسئوليتهم التربوية تجاه أبنائهم والتي تبدأ من إيجاد جو أسري دافئ منضبط بشرع الله بعيدا عن المشاكل المستمرة.

وتابع بسيوني: العمل على تعلم مهارات التربية اللازمة لتهيئة أفراد الأسرة لنمو طبيعي هادئ، والحرص على أن يكونوا قدوات حقيقة صالحة لأبنائهم في تصرفاتهم وأقوالهم، حريصين على تحقيق التقوى المرضية لله سبحانه وتعالى في حياتهم وحياة أبنائهم، والعمل على متابعة أبنائهم باستمرار ومعرفة أصدقائهم ومراقبة وسائل التواصل التي يستخدمونها.

ونوه بسيوني إلى واجبات الدعاة والمصلحين في المجتمع؛ كإخلاص النية لله في أعمالهم، والاستمرار في نشر الخير بين الناس مهما كانت العوائق والعقبات، والعمل على شمولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كل الفئات وفي كل المجالات بالحكمة والموعظة الحسنة.

وأما عن واجب المسئولين، فشدد بسيوني على استحداث وتفعيل القوانين الرادعة لمروجي الإباحية والأخلاق السيئة والطاعنين في الثوابت والقيم الدينية والمجتمعية تحت مزاعم الحرية وقوة نفوذ الداعمين لهم من المتأثرين بالنموذج الغربي، إتاحة الفرصة كاملة للدعاة والمصلحين المؤثرين على الحقيقة في فئات المجتمع للاختلاط بالمجتمع ونشر المفاهيم الدينية الصحيحة والقيم الأخلاقية التي يحبها الله تخويفا من عقاب الله، والمساهمة في توعية الأسرة ونشر نموذج القدوة الحسنة بين الناس.

وقال عبد الله بدران أمين حزب النور بالإسكندرية، إن الاهتمام بالأسرة والفرد ومحاسن الأخلاق أمر حثت عليه جميع الرسالات وخاصة شريعة الإسلام التي تميزت بالرعاية الكبرى لهذا الامر، لافتًا إلى قول الله تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا" -الأحزاب 72 -.

وأردف بدران في تصريحات خاصة لـ"الفتح"، أنه جاء ضمن معاني الأمانة أمانة الأهل والأولاد، موضحًا أنه على كل ولي أمر أن يلزم أهله وأولاده بالصلاة ويحفظهم من المحارم واللهو لأنه مؤتمن ومسئول عما استرعاه الله. 

وأكد بدران أن مسألة الاهتمام بالأسرة من القضايا الهامة التي طفت على السطح الان من الاتجاهات العالمية عموما، وزاد الحديث حولها لا سيما في العصر الحاضر، وذلك على مستوى الدول والهيئات والمنظمات الدولية. 

واستنكر أمين النور بالإسكندرية دعوات تحرير الاسرة المعاصرة من القيود وتعويضها بعلاقات شاذة محرمة، مشددًا على ضرورة التصدي لهذه الدعاوى ومحاولة دفعها ومقاومتها حتى لا تتحطم الاسرة وتتحطم من ورائها بالكامل، مشيرًا إلى أهمية دور الأسرة بقوامها التقليدي الطبيعي في حماية المجتمع من مفاسد الأخلاق والسلوكيات الغير قويمة.

وأكد بدران على ضرورة تضافر جميع الجهود للمحافظة على بناء الاسرة الصالحة في المجتمع، لأنها أمانة من الله عز وجل، مضيفًا أنه لابد من أن تتكاتف جهود الجميع آباء وأمهات وأهل العلم والدعاة والتربويين والإعلاميين وأجهزة الدولة بالإضافة الى المكون الرئيسي وهو الأسرة.

وقال رجب أبو بسيسة الداعية الإسلامي، إن التحدي اليوم هو مقاومة دواعي التساهل والانحراف والتحلل أمام ضغوطات الحياة المادية وسيل الشهوات والشبهات الجارف، مؤكدًا - عبر منشور له -، على أن المعركة شرسة وقوية لكن الاستعانة بالله والعمل الجاد والتخلي عن حالة الكسل مع الارتباط الوثيق بالعبادة واستشعار عظم المسئولية يجدد الأمل ويبدد اليأس