الزيادة السكانية.. نعمة وليست نقمة.. ولكم في اليابان عظة يا أولي الألباب!

  • 1730
أرشيفية

أزهريون: تحديد النسل حرام شرعًا.. وتنظيمه مباح في ظروف معينة

اقتصاديون: الإنسان كنز حقيقي في النهوض بالأمم

الدراسات الحديثة تؤكد: المستقبل للدول الأكثر سكانًا

الصين تتربع على عرش الدول الأقوى اقتصادًا.. والبرازيل تلتحق بالنمور الآسيوية



لم تجد الحكومات المتعاقبة عبر سنوات تبرير فشلها الاقتصادي سوى تسليط الضوء على الزيادة السكانية، متجاهلة الدراسات الحديثة التي أثبتت أن المستقبل للدول الأكثر سكانًا.


ففي البرازيل التي يقدر عدد سكانها بـ 200 مليون نسمة بزيادة 1% سنويًا في عدد السكان، وكانت ديونها 151 مليار دولار حتى نهاية التسعينيات، أصبحت الآن أهم نمر اقتصادي في أمريكا اللاتينية بمعدل نمو اقتصادي 5،4% وناتج محلي إجمالي 1،9 تريليون دولار، وصادرات 230 بليون دولار.


أيضًا في تركيا التي يقدر عدد سكانها بـ 71 مليون نسمة، ومعدل الزيادة السكانية 1% سنويًا وصل الناتج المحلي الإجمالي 888 بليون دولار، وبلغ معدل النمو 5%، والصادرات 115 بليون دولار. 


أما اليابان فيبلغ عدد سكانها أكثر من 130 مليون نسمة ولا يمتلكون 20% مما تملكه مصر من موارد طبيعية كفيلة أن تجعل مصر في قائمة الدول المتقدمة، استطاعت أن تحقق نموًا اقتصاديًا مذهلًا؛ وراح قطار النهضة يعلن عن نفسه بحرية حتى أصبحت من أقوى دول العالم اقتصاديًا.


اليابان.. نموذجًا


ويبدو أن اليابان باتت دليل واضح على أن الزيادة السكانية ليست إلا مجرد شماعة لتبرير أي فشل تواجهه أي حكومة مصرية؛ حيث الدكتور محمد عبد القادر حاتم في كتابه الرائع "أسرار تقدم اليابان": إن الشعب الياباني رغم أنه لا يملك أي مقومات للنجاح فليس لديه أي موارد حقيقية، فإذا تحدثنا عن البترول فاليابان تستورد أكثر من 95% من بترولها من الخارج، 70 % من أراضيها مجرد جزر لا تصلح للزراعة، حتى السكر تستورد أكثر من 80% من الخارج.


وأضاف "حاتم" أن شعب اليابان استطاع في غضون سنوات أن يحذف كلمة "مستحيل" من قاموسه، فكيف لشعب تعرض لأسوأ هزيمة عسكرية في التاريخ الحديث، لم يستسلم للبكاء على أطلال الخراب؟، فليس هناك أبشع من القنابل الذرية، توجه ضد شعب مرتين خلال أسبوع، وخضعت اليابان للاحتلال الأمريكي، لكنها لم تستسلم ولم تبك، بل راحت تعمل تحت ظل الاحتلال حتى أصبحت العملاق الاقتصادي الذي يُحسب له ألف حساب.


من جانبه، أوضح حماد أبو حجر، مدير مركز الوطن للدراسات الاقتصادية والسياسية، أن اليابان لا تملك 20% من موارد مصر، وعدد سكانها أكثر من 140 مليون، أي أكثر من عدد سكان مصر مرة ونصف، ويتعرضون لأكثر من 11 ألف زلزال سنويًا، وكان من أخطر الزلازل التي شهدتها اليابان في سنة 2011، ولم تتعرض اليابان للسرقة ولا النهب، وهو ما حير علماء الاجتماع والنفس، لكن عليهم ألا يتعجبوا ويندهشوا لأن صناعة الإنسان كانت اهتمام اليابان أولًا.


وأكد "أبو حجر"، أنهم يدرسون مادة الأخلاق لطلاب المرحلة الابتدائية، ويغرزون بداخلهم حب اليابان، ويعلمون التلاميذ أن نجاحهم هو نجاح لوطنهم، وأن فشلهم هو فشل لبلادهم، فيزرعون بداخلهم الثقة وأنهم ذوو قيمة كبيرة في أوطانهم، فضلا عن التخطيط الذي تستخدمه اليابان في كل مشاريعها القومية وفي بناء الإنسان.


وأشار إلى أن أول وزارة للتعليم في اليابان وضعت عام 1876م خطة للقضاء على أمية القراءة والكتابة في مدة 20 سنة، وبالفعل نجحوا في القضاء عليها تمامًا عام 1896م، ونحن في مصر نادينا بأول حملة للقضاء على الأمية منذ عام 1825 ولم ننجح فيها حتى الآن.


وتابع: اليابان لا تملك جرامًا واحدًا من الحديد، ورغم ذلك تعد من أولى الدول في صناعة السيارات ذات الماركات العالمية المشهود لها بالجودة والإتقان، بجانب تقدمها المذهل في التكنولوجيا، فهي تحتل المركز الأول عالميًا في مجال العلم التكنولوجي والصناعي، لقد وصلت في مجال الإلكترونيات والإنسان الآلي "الروبوت" إلى درجة يندهش لها حتى العالم الغربي.


وأردف: الزيادة السكانية لم تكن يومًا عائقًا، والدليل أن مصر في فترة السبعينيات -وكان الشعب المصري لم يصل الى 50 مليونًا- كانت تتعرض لنفس المشكلات التي نواجهها الآن عندما وصلنا إلى 100 مليون، فالقضية أن الفساد هو المسئول الأول عن مشاكلنا في التعليم والصحة والصناعة وكل المجالات، مطالبًا الحكومة المصرية بالاستفادة من تجارب اليابان والأخذ منهم ما يمكن تنفيذه في بلادنا لكي ننهض.




شماعة قديمة والصين أكبر دليل


في السياق ذاته، قال الدكتور محمد حسن يوسف، المفكر الاقتصادي، إن الصين أكبر دليل على أن شماعة الزيادة السكانية غير مجدية وحجة قديمة لتبرير أي إخفاقات في الاقتصاد، مشيرًا إلى أن تعداد سكان الصين يعادل سكان مصر أكثر من 15 مرة، ورغم ذلك هم في القمة ونحن ما زالنا نعاني رغم مواردنا الضخمة.


ولفت "حسن" إلى أن الصين بدأت نهضتها منذ 30 عامًا فقط، واستطاعت في هذه الفترة أن تتغلب على كل التحديات، أولها القضاء على الفساد بمعنى الكلمة.


وشدد يوسف على أن الفساد أحد الأمور التي يجب أن تتصدر قائمة أسباب فشلنا في مصر، لافتًا إلى أن الصين بدأت تحقيق إنجازاتها الاقتصادية الهائلة منذ عام 1978، حيث وصل معدل النمو السنوي في هذه الفترة إلى 9%، وفي عام 1992 بلغت نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي 12.8%، وفي المتوسط، بلغ النمو الذي حققه الاقتصاد الصيني نحو 9.8% سنويا خلال الفترة "1983 – 2004".


وأردف: راحت الصين تعلن عن نفسها بقوة في السوق العالمي وباتت تنافس الدول الصناعية الكبرى في الإنتاج الصناعي، ومما زاد من سخونة هذه المنافسة إغراق المنتجات الصينية لأسواق العالم، بحيث باتت أرصفة "الشانزلزيه" في باريس مفروشة بالمنتجات الصينية ولعب الأطفال، مثل أرصفة ميدان العتبة في القاهرة، فضلا عن وجود مئات الشباب الصيني يجوب شوارع مصر ليلًا ونهارًا ضاربًا مثلًا في صمود وقوة الشباب الصيني والإصرار على العمل.


وأوضح أن الصين اليوم أصبحت تحتل المركز الثاني في قائمة  أكبر اقتصاد في العالم، مشيرًا إلى أن بكين نجحت في رفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بأكثر من 40 ضعفًا من 155 دولار للفرد عام 1978 إلى نحو 6400 دولار عام 2016، وبحلول عام 2030 من المتوقع أن يكون أكبر اقتصاد في العالم بعد أن فقد المرتبة الأولى لنحو 130 عام.


وأضاف أن الزياة السكانية بريئة كوننا لم نطبق العدالة الاجتماعية، فليس يكفي قيام دولة من خلال تحقيق معدل كبير للنمو الاقتصادي، بل يجب أن يصاحب ذلك ويدعمه انتهاج سياسات توزيعية جادة من شأنها ضبط العلاقة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع في جني آثار ذلك النمو المتحقق.


وأكد المفكر الاقتصادي أن الزيادة السكانية مستقبل الدول خلال السنوات المقبلة؛ فالإنسان هو الكنز الحقيقي في النهوض بالأمم، مشيرًا إلى أن الحزب الحاكم خلال الفترة من 1995 وحتى 2002 شن حملة ضخمة جدًا على كافة أشكال الفساد في الدولة، بل وشهدت هذه الفترة محاكمة أي مسئول أيًا كان منصبه الحزبي أو السياسي أو التنفيذي، كما شهدت تلك الفترة أيضا حملة قومية لمحاربة الفساد الحكومي، طالت عددًا من المسئولين رفيعي المستوى، حيث أسفرت هذه الحملة عن إقالة عدد كبير من كبار رجال الدولة، منهم وزير العدل وعدد من نواب المحافظين وبعض العمد في الأقاليم ومسئول أمني كبير.


الفساد وليس الزيادة السكانية


من جهته، أكد عبد العزيز محمود، الباحث الاقتصادي، أن شماعة الزياة السكانية نسمع عنها منذ عقود طويلة والقضية ليست في عدد السكان، والدليل أن عدد سكان مصر من 50 سنة كانوا نحو 40 مليونًا، وكان الشعب المصري يعاني من كل المشكلات التي يعاني منها حتى الآن، مشيرًا إلى أن هناك دراسة لمعهد أكسفورد للدراسات الاقتصادية أكدت أن المستقبل للدول الأكثر سكانًا .


وأضاف محمود أنه لو كانت زيادة السكان مشكلة لأصبحت دول مثل الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا دولًا متسولة تعيش على المعونات، لكنها على العكس أصبحت نمورًا اقتصادية يحسب لها ألف حساب بفضل التخطيط السليم والعمل المتواصل والسياسات الاقتصادية الفعالة والتوزيع العادل للثروة.


وأكد "محمود" أنه رغم عدد سكان الصين 1.5 مليار نسمة إلا أن الصين تحقق نموًا اقتصاديًا تجاوز 11،7% سنويًا وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 7 تريليونات دولار، وقفزت الصادرات إلى 1،3 تريليون دولار؛ ودولة مثل الهند التي يقدر عدد سكانها بنحو 1،3 بليون نسمة، بمعدل زيادة سكانية 1،6 % فقد وصل الناتج المحلي الإجمالي 2،11 تريليون دولار وقفزت الصادرات إلى 191 بليون دولار ووصل معدل النمو الاقتصادي 9،2 %..


رأي الشرع


وفي شأن متصل، رفض علماء الأزهر أفكار من يروجون لتحديد النسل، ورفع الدعم عن الطفل الثالث الزائد عما يحدده هؤلاء من عدد الأطفال، معربين عن إدانتهم لذلك، واصفين تلك الخطوات بأنها المؤدية إلى ما لا يحمد عقباه. 


قال الدكتور حسن خليل، أستاذ التربية بجامعة الأزهر: إن ما يعرف بـ "تحديد النسل" الذي يُطالب به البعضُ حرام شرعًا، ولا يجوز العمل به، مستشهدًا بقول الله تعالى: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ  إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تَنَاكَحَوا، تَكَاثَروا، تَنَاسَلوا، فَإنّي مُبَاهٍ بِكُم الأمم يوم القيامة".


ولفت خليل في تصريح خاص لـ "الفتح" إلى أن تحديد النسل وفرض عدد معين من الأولاد لا تتعداه كل أسرة، أمر يختلف عن تنظيم الأسرة؛ لأن الأخير أمر محمود شرعًا، وحثت عليه الشريعة الإسلامية، مستدلًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"، وقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "لاعبوهم لسبع، وأدبوهم لسبع، وصاحبوهم لسبع".


من جانبه، أكد الدكتور محمود عبد المنعم، أستاذ التفسير بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بطنطا، حرمة "تحديد النسل" إذا كان مخافة ضيق الرزق وتدني الأحوال الاقتصادية، واصفًا من يتبنى هذا الفكر بأنه أقل تفكرًا وإيمانًا من أبي جهل الذي هو فرعون هذه الأمة.


وعلل عبد المنعم ذلك في تصريحه لـ "الفتح" بأن ما كان فيه أمثال أبي جهل وغيره من الكفار، إنما هو إشراك بالله في غير توحيد الربوبية، أي أنّ أبا جهل رغم كفره بالله، كان مؤمنًا بأن الله هو الرزاق الذي لا ينسى أحدًا من خلقه، معضدًا قوله بما ورد في القرآن الكريم: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.


وأوضح أن من يطالب بتحديد النسل لتشكيكه في الرزق وتوفير المال يُخشى عليه الوقوع في الشرك، لافتًا إلى أن هناك حالات استثنائية من ذلك، كمن تعاني من حالة صحية تتعارض مع الحمل والوضع، وأجمع على ذلك غير واحد من الأطباء، ففي تلك الحالة يجب التخلي عن فكرة الإنجاب لما يترتب عليها من هلاك للأم، وقد أمرنا الله تعالى بحفظ النفس عندما قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.


وأشار إلى بعض الآثار التي قد تترتب على ذلك منها: تقليل عدد المسلمين وإضعافهم، والتشكيك في عقيدة المسلمين وإيمانهم بالرزق الذي كفله الله لهم حال سعيهم، والأخذ بأسباب الوصول إليه حيث يقول المولى عزوجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ}.


وعرّج أستاذ التفسير بالأزهر على اقتراح البعض برفع الدعم عن الطفل الثالث من كل أسرة وتصديق 200 برلماني عليه، بأن ذلك يجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، وأن ذلك طريق تنتهجه تونس لإرضاء أمريكا وأوروبا.


في هذا الصدد، قال الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر بالقاهرة: إن النسل نعمة كبرى منَّ الله بها على عباده، وتحديد النسل إن قصد به منع النسل نهائيًا ومطلقًا بحجة الاكتفاء بعدد معين من الأبناء والتفرغ لتربيتهم، أو خشية  فقر  حاصل أو فقر متوقع فلا أظن أن هناك أحدًا يشكك في عدم حلّه.


وأوضح الصاوي لـ "الفتح"، أن تنظيم النسل وتأخير الحمل فترة سنتين أو ثلاث أو نحوها بين  كل حمل وآخر للتفرغ لحضانة الطفل السابق فهذا جائز، بل قد يتعين منع الحمل في  حالة ثبوت الضرر المحقق على الأم؛ مختتمًا بـ: "الخلاصة منع النسل نهائيًا لا يجوز بالإجماع، وتنظيمه في بعض الحالات والظروف الخاصة قد أفتى بجوازه المجامع الفقهية".