مفاسد المفاصلة مع المجتمع

  • 122

أعني هنا بالمفاصلة مفاصلة أبناء التيار الاسلامي للمجتمع الذي يحيط بهم، وعدم مخالطة الناس كما في بعض الأدبيات والتوجهات التي يراها من ينتسب لهذا التيار، بل قد سمعت بأذني ورأبت بعيني أحد الدعاة الكبار علي إحدي القنوات يفتي شخصا بعدم جواز زيارة الأقارب وتناول طعامهم إذا كانوا مؤيدين لما حدث يوم 3/7.

اذا المطلوب من أبناء الصحوة هو الاندماج في المجتمع، ولا أقصد بذلك أن يتنازلوا عن ثوابت منهجهم أو يجلسوا مع من يرتكبون الفاحشة حال تلبسهم بها؛ لكن المطلوب ألا يشعر المجتمع المحيط أن من ينتسب للصحوة الاسلامية شخص منعزل مع نفسه، أو تحاول أن تضع السدود والعقبات التي تجعل المجتمع ينفر منك ويشعر أنك لاتسعي فقط إلا لمصلحتك أو مصلحة الكيان الذي تنتمي إليه أو يشعر أنك تسعي لتخريب البلاد وذل العباد.

لقد ظهر هذا الأمر جليا مع النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام في صلح الحديبية، فمن المعروف أن هذا الصلح كان في ظاهره ظلما وضيما للمسلمين ولكنه في الحقيقة كان عزا ومصلحة كبري للدعوة؛ لذلك فقد سماه الله عزوجل فتحا مبينا: "إنا فتحنا لك فتحا مبينا".

فقد حصل بهذ الصلح الخير الكثير وأمن الناس علي أنفسهم وإجتمع بعضهم ببعض، وتكلم الكافر مع المؤمن وأنتشر العلم وبدأ الاسلام ينتشر في جزيرة العرب وماحولها حتي كان هذا الصلح سببا مباشرا في فتح مكة، كما قال بذلك ابن حجر – رحمه الله - : (كان صلح الحديبية مبدأ الفتح علي المسلمين لما ترتب علي الصلح من الأمن ورفع الحرب فمن كان يخشي الوصول للمدينة تمكن من أن يصل إليها ويدخل في الاسلام).

ويقول النووي – رحمه الله –: ومن فوائد صلح الحديبية فتح مكة واسلام أهلها كلهم ودخول الناس في دين الله أفواجا؛ وذلك أنهم كانوا قبل الصلح لم يكونوا يختلطوا بالمسلمين ولاتبدوا لهم أمور النبي – صلي الله عليه وسلم – كما هي إلا مايسمعونه من أعداء الاسلام من ترويج الاشاعات الاعلامية المغرضة فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين وجاءوا إلي المدينة وذهب المسلمون إلي مكة وجالسهم المسلمون وسمعوا منهم أحوال النبي – صلي الله عليه وسلم الحقيقية بل عاينوها أمام أبصارهم فمالت نفوسهم إلي الاسلام.

أعود للكلام عن مفاسد المفاصلة وهجر الناس والتمايز عنهم وفي الحقيقة هذا يمثل خطورة لاننا لو تعاملنا بهذا المنطق من هجر الناس ومفاصلتهم والبعد عنهم فنكون بهذ قد تركنا الناس ليتعلموا الاسلام ممن يطعنون في ثوابته، نكون قد تركنا الناس لياخذوا تصورهم عن الاسلام والالتزام والسنة من الاعلام المضلل الذي يحاول بعضه أن ينفر الناس من الالتزام والدين. لذلك كان حرص النبي – صلي الله عليه وسلم – دائما أن يكون مع الناس مالم يكون في ذلك انتهاك لحرمات الله عزوجل.