معركة استقطاب الشباب السلفي (2) تيارات العنف

  • 135

تكلمنا في المرة السابقة عن طرف من الأطراف التي حاولت استقطاب الشباب السلفي وهو (التيار المدخلي) وفاتني أن أنبه على أن الشيخ الذي ينسب إليه هذا التيار كان عضوا في جماعة الإخوان لفترة طويلة، ثم اختلف معهم وانفصل منهم وأعلن الحرب عليهم، فأسلوب الغلو الذي ينتهجه هذا التيار في التبديع والتجريح للمخالف فيه نَفَس إخواني.

أيضا أنبه على أنني لست بصدد التأريخ لهذه التيارات واستقصاء منهجها وطريقتها بقدر ما أريد توضيح بعض كواليس تأثير هذه التيارات في الشباب السلفي ومحاولة استقطابه.

نظرة تاريخية عن العنف:

وعلى الطرف المقابل للتيار المدخلي كان هناك تيارات ضعيفة التأثير في الشباب السلفي، حيث انفصلت عن جماعة الإخوان تيارات انتهجت فكر التكفير والعنف متأثرة بفكر المؤسس الأستاذ حسن البنا رحمه الله والمنظر الأستاذ سيد قطب، منها جماعة التكفير والهجرة، وجماعة الفنية العسكرية، وحزب التحرير الإسلامي، والقطبية...إلخ.

وقد كان الأستاذ البنا أسس جماعته على أساس إصلاحي ودعوي، ثم تطور مع الوقت وبدأ يحس بقوة الجماعة واتساعها، فبدأ يفكر في تكوين قوة تحمي الجماعة أو بتعبير آخر يحتاجون إليها حين يضطرون إلى استخدام العنف كما نقل عنه؛ فأنشأ ما عرف بالتنظيم الخاص والذي نفذ بعض عمليات الاغتيالات وتورطت الجماعة وبدأت رحلة الهبوط التي كادت أن تودي بالجماعة وقتها.

ثم في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم انتمى إلى جماعة الإخوان متأثرا بعاطفته الأديب الصحفي الأستاذ سيد قطب، وبعد انتمائه لها بفترة وجيزة تولى الأستاذ منصب مسئول التثقيف في الجماعة.

قام الخلاف بين جماعة الإخوان وبين مجلس قيادة الثورة والذي بلغ مداه، وكانت نهايته أن صارت جماعة الإخوان ما بين قتيل ومعتقل في سجون عبد الناصر وهارب خارج البلاد ومتخفي داخل بلاده.

وبدأت تتشكل أفكار ومجموعات داخل السجون تحمل التكفير والعداء للمجتمع والدولة بسبب ممارسات جميع أنواع التعذيب التي كانوا يرونها وكان لكتابات الأستاذ سيد قطب أبلغ الأثر في التأصيل لهذه الأفكار، وتصدى الأستاذ الهضيبي لهذه الأفكار محاولا إنقاذ شباب الجماعة فكتب كتاب (دعاة لا قضاة).

ومرت فترة عبد الناصر وتولى بعده السادات وقام بإخراجهم من السجون والسماح للإخوان بالعمل مرة أخرى للقضاء على الفكر الاشتراكي الذي كان من موروثات عبد الناصر، وقام الإخوان بالمشاركة في العمل السياسي والمجتمعي مرة أخرى بعد غياب استمر عشرين سنة تقريبا عن الظهور بمصر.

ثم حدث الخلاف مع السادات فأعادهم وغيرهم إلى السجون مرة أخرى، وفي هذه الفترات تفرخ من جماعة الإخوان جماعات أخرى اتخذت طريق الصدام مع الدولة والمجتمع بدرجات مختلفة، ومنهم من قام باغتيال السادات، واستكمال الصدام مع مبارك، واستمر صدام هذه الجماعات مع نظام مبارك حتى نجح مبارك في القضاء على مظاهر العنف والصدام من المجتمع بدرجة كبيرة، حيث أدخلهم إلى السجون أو اضطرهم إلى الهروب خارج البلاد أيضا أو التخفي.

وكان مبارك يسمح بالمشاركة الصورية للإخوان في العمل السياسي، حيث كان الإخوان يعلنون أنهم جماعة دعوية إصلاحية ويتبرءون ممن ينتهج العنف والتكفير – ولم يسلمهم ذلك أيضا من سجون مبارك ومحاربته -.

وفي 2010 قام نظام مبارك بتزوير انتخابات مجلس الشعب بطريقة فجة، كانت بمثابة إعلان الدولة عن (قطع علاقة الإخوان بالسياسة).

وجاءت ثورة الخمس والعشرين من يناير:

وقامت ثورة يناير وحدث الانفلات الأمني وخرج المعتقلون من سجون مبارك بأفكارهم التي لم يغيروها، ونجحت الثورة في القضاء على نظام مبارك ثم عادت كثير من طيور تنظيمات العنف المهاجرة، محاولين إحياء تنظيماتهم مرة أخرى معلنين بذلك رافعين صور قادتهم في كثير من الفعاليات التي كانت تحدث إبان الثورة.

واتجه هؤلاء إلى شباب التيار السلفي، محاولين جذبهم نحو تنظيماتهم بمسمياتها القديمة أو تحت مسميات أخرى، إلا أن تأثيرهم كان شبه منعدم، وذلك بسبب انتشار علماء ودعاة التيار السلفي العام بصفة عامة على الفضائيات وفي المؤتمرات، وعلماء ودعاة الدعوة السلفية بصفة خاصة حيث تحركوا في جميع أنحاء البلاد يحذرون الشباب عموما والسلفي منه خصوصا، من الأفكار المنحرفة وتدريس قضايا الإيمان والكفر وفقه الجهاد وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقه الخلاف والمنهج السلفي للتغيير؛ مما أحدث وعيا لدى كثير من هؤلاء الشباب بشبه تيارات العنف والتكفير والأفكار المنحرفة.

وحدثت الاضطرابات السياسية وظهر خطاب غير معهود لدى السلفيين فيه عنف وشدة وتنفير (كان للدعوة السلفية موقفا واضحا في رفض هذا الخطاب والتحذير منه)، واستقطب خطاب العنف الشباب الحماسي، وأدى هذا الخطاب إلى عداء المجتمع للتيار الإسلامي، وثار الناس ضد حكم الإخوان ونجحوا في إسقاط مرسي.

وجاءت ثورة الثلاثين من يونيو:

بعد عزل مرسي تحول خطاب العنف - الذي كان موجودا بدرجة ما - إلى: إعلان حرب وتكفير من البعض واتهام بالنفاق واستعداد للشهادة في سبيل الشرعية المزعومة، وغلق كل نوافذ المصالحة والحوار حتى حصلت نكبة (فض رابعة) بالطريقة المعروفة، وتطور من إعلان الحرب إلى استخدام العنف فعلا من بعض من كان يقف في صفوف الإخوان، ثم إلى حرق سيارات الشرطة، ثم إلى قطع الطرق، ثم إلى إعلان أن ما دون الرصاص سلمية، ثم إلى اشتباكات وملوتوف وتفجيرات، وانتهاءً بإعلان النزول بالمصاحف والسلاح في الثامن والعشرين من نوفمبر.

وبفضل الله وحده ظهر في 28 نوفمبر ضعف تأثير تيارات العنف هذه في الشباب الذي تربى على السلفية، التي منهجها: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق بالناس والصبر على أذاهم ومقارعة الحجة بالحجة وتعظيم حرمة الدماء والأعراض، فمن سلك طريق العنف فقد خالف المنهج السلفي واتبع هواه وحماسه وعاطفته بغير حجة.

ليست هذه التيارات وحدها هي التي حاولت استقطاب الشباب السلفي بل كان هناك تيارات أخرى هي الأخطر من وجهة نظري يمكن أن نطلق عليها (إخوان بلحية) وهذا سنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله.

ونسأل الله يهدينا وإخواننا إلى المنهج السلفي الخالص البعيد عن الانحرافات التي من الممكن أن تؤدي إلى ضعف الدعوة والوطن.