خريطة الطريق!

  • 221

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال: "لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت"، ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل" ثم قرأ قوله تعالى {تتجافى جنوبهم عن المضاجع... حتى بلغ يعملون} ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟" فقلت بلى يارسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد". ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" فقال بلى يا نبي الله، فأخذ لسانه فقال: "كف عليك هذا" فقلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم".
هذا قارئي الكريم حديث عظيم القدر سأل فيه عظيم عظيما عن عظيم فكانت تلك العظائم العظمى.

باكورة هذا الحديث النفيس الذى هو بحق تأشيرة إلى الجنة لمن قام به، هذا السؤال الفذ: أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال عليه الصلاة والسلام "لقد سألت عن عظيم" وكيف لا وقد سأل عن الفوز الذى ذكره الله بقوله {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.

والجنة إخوتاه والتي تاقت لها نفس معاذ فسأل عن تأشيرة دخولها هي دار السلام التي دعانا الله إليها بقوله {والله يدعو إلى دار السلام} وقد سميت بذلك لسلامتها من المنغصات، فالكد والكدح والكرب والهم والغم والوصب والنصب كلمات لا وجود لها في قاموس الجنة، أما النار فحسرة أبدية وألم لا ينتهي ودموع لا تجف وعذاب يفتت الأكباد وغمسة واحدة فيها تنسي كل نعيم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

يقول عليه السلام لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فالخير كله بيديه والشر ليس إليه، {وما توفيقي إلا بالله} ولله در القائل لما سئل كيف عرفت ربك؟ فقال عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي.

يقول عليه السلام: "تعبد الله ولا تشرك به شيئا"، وهذه هي دعوة التوحيد التي بعث بها رسل الله جميعا {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
ثم ذكر الأركان الأربعة العظام التى لا يقوم صرح الإيمان إلا عليها فقال: "وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت".
ثم حث ودل على أبواب الخير قائلا: "الصوم جنة" أي وقاية من الشهوات في الدنيا ومن النار في الآخرة، "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل"، فصم أخي يوما يكون حره شديدا لحر يوم النشور، وصل ركعتين فى ظلمة الليل لظلمة القبور، وتصدق بصدقة السر لشر يوم عسير.

ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر، أي بأصل كل أمر وعموده، أي ما يقوم ويعتمد عليه، وذروة سنامه، أي أعلاه، "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد".

ثم ختم حديثه القيم بقوله "ألا أخبرك بملاك ذلك كله" أى بما يحكمه ويقويه، فأخذ بلسانه قائلا "كف عليك هذا"، فغدا اللسان بذلك المتهم الأول أو قل الأوحد في سَوق الناس إلى نار بعيد قعرها شديد حرها، فاتقوا الله فى ألسنتكم وإلا فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
يقول الحسن رحمه الله: يا بن آدم، وكل بك ملكان، ريقك حبرهما ولسانك قلمهما. 

كانت هذه معاشر القراء الكرام أسطرا يسيرة مع هذا الحديث الجامع الذي هو بحق خريطة الطريق التي تصل بنا إلى بحبوحة الجنة والتي لا يختلف عليها اثنان ولا يتناطح فيها شعبان أقصد عنزان. 
والحمد لله رب العالمين.

الابلاغ عن خطأ