عاجل

أدلة السنة على العذر بالجهل 1

  • 219

عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطباً كثيراً وأوقدوا فيه ناراً، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحنوها ثم انظروا يوماً راحاً، فاذروه في اليم، ففعلوا، فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له. قال عقبة بن عمرو: "وأنا سمعته- يعني النبي صلى الله عليه وسلم،يقول ذاك وكان نباشاً".

قال شيخ الإسلام رحمه الله: فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى، وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت كفر، لكنه مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك ضالا في هذا الظن مخطئا،ً فغفر الله له ذلك، والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدنى هذا أن يكون شاكاً في المعاد، وذلك كفر إذا قامت حجة النبوة على منكره حكم بكفره، وهو بين في عدم إيمانه بالله تعالى، ومن تأول قوله: "لئن قدر الله علي"، بمعنى قضى أو بمعنى ضيق فقد أبعد النجعة، وحرم الكلم عن مواضعه، فإنه إنما أمر بتحريقه وتفريقه لئلا يجمع ويعاد، وقال: "إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر، فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً"، فذكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء عقب الأولى، يدل على أنه سبب لها، وأنه فعل ذلك لئلا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك فلو كان مقرًا بقدرة الله عليه إذا لم يفعل ذلك لم يكن في ذلك فائدة له.

وقال ابن حزم رحمه الله: فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه  وقد غفر له لإقراراه وخوفه وجهله، وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى "لئن قدر علي" إنما هو: لئن ضيق الله علي، كما قال تعالى: "وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه" الفجر: 16.

قال : وهذا تأويل باطل لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله علي ليضيقن علي، وأيضاً فهذا الحديث يدل على أنهم جهلوا عقيدة الرؤية، حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كفروا بذلك ويجب عليهم أن يجددوا إسلامهم، أم عذرهم وعلمهم الحق، ومسائل التوحيد كثيرة جداً متشعبة، منها ما يعرفه العوام ومنها ما يعرف طلاب العلم ومنها ما لا يعرفه إلا العلماء المتخصصون، فبأي ضابط تضبط هذه المسائل، وبأي حدٍ يكفر من يجهل شيئاً منها، وهل لا يصير العبد مسلماً حتى يتعلم كل هذه المسائل، ولماذا إذا يحكم بالإسلام بمجرد النطق بالشهادتين؟

ولو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى، ولا شك في أنه إنما أمر بذلك ليلفت من عذاب الله تعالى.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : «ألا أحدثكم عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا : بلى قالت : لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه ، وخلع نعليه ، فوضعهما عند رجليه ، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج ، ثم أجافه رويدا ، فجعلت درعي في رأسي ، واختمرت ، وتقنعت إزاري ، ثم انطلقت على إثره ، حتى جاء البقيع ، فقام ، فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت ، فهرول فهرولت ، فأحضر فأحضرت ، فسبقته فدخلت ، فليس إلا أن اضطجعت فدخل ، فقال : " ما لك يا عائش ! حشيا رابية ! " قالت : قلت : لا شيء ،  قال : " لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير "، قالت : قلت : يا رسول الله ! بأبي أنت وأمي ! فأخبرته ، قال : فأنت السواد الذي رأيت أمامي ؟ " قلت : نعم ، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال : "أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ " قالت : قلت مهما يكتم الناس يعلمه الله ؟ قال : "نعم".

 قال : شيخ الإسلام رحمه الله: فهذه عائشة أم المؤمنين سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل يعلم الله كل ما يكتم الناس ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك ، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، وأن الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من اصول الإيمان ، وإنكار علمه بكل شيء ، كإنكار قدرته على كل شيء.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناساً قالوا : يارسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله : "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟" قالوا : لا يارسول الله ، قال : " هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ " قالوا : لا ، قال : فإنكم ترونه كذلك.

الابلاغ عن خطأ