يوم عاشوراء.. داعية: هذه الأيام ينتفع بتذكرها كل "صَبَّارٍ شَكُورٍ

حاجةَ الإنسان مَاسَّةٌ إلى تذكُّر أيامِ الله وما فيها مِن النِّعَم والعِبَر

  • 56
الفتح - يوم عاشوراء

قال محمود عبد الحفيظ البرتاوي الكاتب والداعية الإسلامي، إن  حاجةَ الإنسان مَاسَّةٌ إلى تذكُّر أيامِ الله تبارك وتعالى، وما فيها مِن النِّعَم والعِبَر، وما اشتملت عليه مِن المِنَح والمِحَن، والعِظَات؛ ولذلك كان التذكير بأيام الله عز وجل مِن مقاصد بعثة الرُّسُل، كما أمر الله تعالى موسى عليه السلام بذلك، فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (إبراهيم:5).

وأوضح الكاتب في مقال له نشرته الفتح أن المراد بأيام الله: التذكير بأيام نقم الله التي أوقعها بالماضين: كعاد وثمود، ومَن جرى مجراهم. ويجوز أن تكون الأيام هاهنا عبارة عن أيام النِّعَم، كما قلنا إنها عبارة عن أيام النقم. فيكون المعنى: فذكّرهم بالأيام التي أنعم الله فيها عليهم وعلى الماضين من آبائهم بإهلاك الأعداء، ‌وكشف ‌اللّأواء، وإسباغ النعماء؛ فالأيام تذكرة لمَن أراد التذكرة بالإنعام والانتقام" (الموسوعة القرآنية خصائص السور بتصرفٍ).

وأشار الكاتب إلى أن هذه الأيام إنما ينتفع بتذكرها: كل "صَبَّارٍ شَكُورٍ" كما أخبر الله تعالى: "أي: يصبر على بلائه سبحانه ويشكر نعماءه؛ فإذا سمع بما أنزل الله مِن البلاء على الأمم، أو أفاض عليهم مِن النعم؛ تنبَّه على ما يجب عليه مِن الصبر والشكر" (تفسير القاسمي محاسن التأويل).

وتابع الكاتب: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (رواه مسلم)، وتذكُّر الإنسان لأيام الله مِن أعظم أسباب فرحه وسعادته؛ لأن تذكر ذلك يملأ قلب العبد بالفرح والأمل، وانتظار الفرج مِن الله سبحانه وتعالى، واليقين بأن العاقبة للمتقين، وأن مآل الكافرين والظالمين والفاجرين إلى البوار والجحيم، وأن ما بين طرفة عين وانتباهتها تتقلب الأمور، وتنقلب الموازين، وتتغير الأحوال بقدرة الله تبارك وتعالى، ويدبر الليل، ويظهر الصبح".

واستطرد: "وأيام الله: ليست الأيام الماضية فحسب؛ إذ يخطئ مَن يقصر الأمر بالتفكر في أخبار الأمم السابقة، وينسى أيام الله في الأمم الحاضرة والمعاصرة، مع أن المشركين قديمًا قد أنكر الله عليهم ذلك، فقال: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ"، فمَن تأمل ونظر بما يقع حوله مِن إعزاز الله لقومٍ وإذلاله لآخرين؛ تبيَّن له عظيم قدرة الله الباهرة، وعظيم صنعه، وأن الأمور كلها تحت تدبيره وتصرفه، وأن الكافرين والظالمين لا يملكون شيئًا ولا نفعًا ولا ضرًّا؛ لا لأنفسهم ولا لغيرهم.

ونوه بأن غفلة الإنسان عن تذكر أيام الله مِن أعظم أسباب همِّه وشقائه؛ فعندما ينسى الإنسان أيام الله ويغفل عنها، فإنه يتحول إلى ذلك الكائن الذي لا بصيرة له ولا حكمة، ولا معرفة له بأسباب نجاة الأمم -والأفراد- وأسباب هلاكها، بل لا يعرف إلا الشهوة والهوى، أو على أحسن أحواله يطيع تارة ويعصي تارة، ولا يدري على ماذا يأتيه الموت وعلى أي حال يلقى ربه!