هل يسدُّ الغاز القطري حاجة ألمانيا وأوروبا من الطاقة؟

خبراء: العالم يعاني من أزمة طاقة بسبب صراع جيوسياسي شرقي غربي.. وسيتحول لمصادر صديقة للبيئة

  • 58
الفتح - أسامة الدليل الباحث السياسي ورئيس قسم الشؤون الدولية بجريدة الأهرام العربي

بعد عدة أشهر من المفاوضات بين قطر وألمانيا ووسط أزمة طاقة عالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، أعلن سعد بن شريدة الكعبي، وزير الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لشركة "قطر للطاقة"، منذ أيام أن بلاده ستمد برلين بمليوني طن من الغاز المسال سنويًّا لمدة لا تقل عن 15 عامًا، بدءًا من عام 2026م، فهل سيفي ذلك باحتياج ألمانيا من الغاز؟

وارتفعت أسعار النفط بعد قرار دول تحالف "أوبك+" بتثبيت إنتاجها، على خلفية فرض سقف لأسعار الخام الروسي بما يعادل 60 دولارًا للبرميل الواحد، وبالنسبة للصفقة الألمانية القطرية فإن شركة "كونوكو فيليبس" الأمريكية –وهي شريكة "قطر للطاقة"- ستتولى توريد الغاز من مشروعي حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي بدءًا من عام 2026م إلى محطة "برونزبوتل" للغاز المسال التي يجري تطويرها الآن في شمال ألمانيا.

صراعٌ جيوسياسي

في هذا الصدد، قال أسامة الدليل، الباحث في الشؤون الدولية، إنه لا يمكن الحديث عن صفقات غاز بين ألمانيا وقطر بعزل عن الوضع الجيوسياسي للطاقة والحرب الدائرة حاليًّا بين روسيا وأوكرانيا والصراع بين الشرق والغرب، فيما يتعلق بالطاقة والغاز تحديدًا، وكذلك دخول فصل الشتاء؛ كل تلك الأمور مهمة جدًّا في فهم الظروف المحيطة بتلك الصفقة.

وأضاف الدليل لـ "الفتح" أن ألمانيا هي القوة الصناعية الأضخم في الاتحاد الأوروبي، وهي المتضرر الأكبر من الاضطراب الحادث في أسواق الغاز، لا سيما مع دخول الشتاء حيث تزداد حاجة برلين وتتجاوز حاجة الاتحاد الأوروبي كله من الغاز من أجل التدفئة باعتبارها دولية صناعية بالدرجة الأولى، علاوة على احتياجها اليومي العادي من الغاز لتشغيل المصانع.

وأردف أنه في ضوء حاجة برلين الشديدة للغاز اضطرت لعقد هذا الاتفاق، وقطر عقدت صفقة جيدة ولن تتأثر علاقاتها بأي من أطراف الأزمة، مع العلم أن شحن الغاز القطري لن يتم إلى ألمانيا إلا عبر الإسالة؛ بمعنى أن هذا الغاز سيوضع فوق مراكب، وتلك المراكب ستمر بكامل شبه الجزيرة العربية وتمر من قناة السويس، وستمر تلك المراكب من البحر المتوسط وصولًا إلى بحر الشمال حتى تصل إلى الموانئ الألمانية.

وتابع أن هناك أزمة طاقة عالمية تطال الجميع بسبب صراع جيوسياسي بين الشرق والغرب وليس صراعًا حقيقيًّا نتيجة لندرة الموارد؛ بمعنى أن الأزمة سببها سياسي محض، والمشكلة حقًّا في المواقف السياسية التي يُدفع ثَمنها الآن في صورة أزمات طاقة واقتصاد، وأكثر المتضررين من العقوبات الغربية على موسكو هم الأوروبيون أنفسهم.

واستطرد أن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت الأزمة جيدًا ورفعت أسعار الغاز بصورة مبالغ فيها، ولا ينبغي إغفال أن الغاز القطري غاز صخري ويحتاج إلى معالجات لتنقيته وتلك العملية فيها العديد من المشكلات الفنية، على العكس منه الغاز الروسي، علاوة على أن ألمانيا لم تكن لديها منصات من الأساس لاستقبال الغاز المسال، وأنفقت مؤخرًا مليارات الدولارات لإنشاء منصات تسييل الغاز لاستقبال الغاز المسال الذي سيأتيها من قطر وغيرها. 

وختم بأن هناك تدابير جماعية أوروبية لتوفير بدائل للغاز الروسي مثل خط الغاز الروسي الذي لا يزال يتدفق من روسيا إلى تركيا، ومن تركيا إلى أوروبا، وبوتين أخذ قرارًا بأن تكون تركيا منصة توزيع غاز لأوروبا بدلًا من خط "نورد ستريم 2"؛ ولذلك فإن أوروبا ستقع تحت القبضة التركية لفترة ما إلى أن يحدث التوصل لتسوية ما في تلك المسألة؛ ما يعني سنوات مقبلة من الضغط على أوروبا بموجب الغاز، ولذلك يحاولون تخفيف استخدام الغاز إلى الحد الأدنى الذي يفي بأغراضهم الصناعية وغيرها، لكن الاتحاد الأوروبي لن يستطيع تعويض احتياجاته من الغاز الروسي لأن حجم استهلاكهم السنوي منه يعادل 230 مليار م3، فكل الأبواب التي طرقوها حتى الآن لم تحقق لهم إلا نحو 40 مليار فقط.

اضطرارٌ ألماني

ومن جهته، قال د. وائل النحاس، الخبير الاقتصادي وخبير أسواق المال، إن الاتفاق بين قطر وألمانيا لا بد أن يكون طويل الأمد، وهذه طبيعة اتفاقات الغاز على مستوى العالم بسبب أن هناك تكلفة كبيرة ستتحملها قطر في سبيل نقل هذا الغاز لألمانيا من خطوط إمداد وخلافه؛ ولذلك كان من حقها وضع بعض الشروط المهمة وعلى رأسها طول مدة الاتفاق حتى تعوض ما ستدفعه وتحقق مكاسب أيضًا.

وأضاف النحاس لـ "الفتح" أن برلين اضطرت لعقد هذا الاتفاق نتيجة لحاجتها إلى تعويض الغاز الروسي –حتى ولو بصورة نسبية- الذي توقف بسبب الحرب الدائرة حاليًّا بين روسيا وأوكرانيا، والاتفاق جيد ومرضٍ لجميع الأطراف، وما ستدفعه ألمانيا سيعوض التكلفة بجانب المكاسب القطرية بالطبع.

وختم أنه بالنسبة لما سيحدث مستقبلًا بعد هذا الاتفاق، فلا أحد يعلمه، وهناك حراك عالمي كبير ومستجدات كثيرة كل حين، إضافة إلى أن ألمانيا تسعى بقوة لأن تكون دولة صديقة للبيئة وليست هي وحدها؛ وبِناءً عليه تحاول الابتعاد قدر استطاعتها عن مصادر الطاقة التقليدية والاعتماد على المصادر الصديقة للبيئة كالطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، وهذا الاتفاق اضطراري وضرورة وقتية لحل معضلة آنية، لكن برلين لن تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز حتى مع وجود هذا الاتفاق، وحتى لو أمدتها أمريكا ببعض الغاز.  

العالم مقبل على حقبة صديقة للبيئة في كل شيء، وسيتحول إلى طاقة بديلة -خارج نطاق النفط والغاز- شاء أم أبى؛ وهذه فرصة كبيرة لمصر من أجل استغلالها لأننا من أكبر منتجي الهيدروجين الأخضر على مستوى العالم.