هل يتفق السودانيون نهائيًّا يوم 6 أبريل المقبل؟

خبراء: المشهد معقد ولكلٍّ رؤيته.. والتسوية السياسية الكاملة هي الحل

  • 247
الفتح - أرشيفية

لا تزال دولة السودان الشقيقة تعيش فترة من أصعب فتراتها على المستوى الداخلي؛ بسبب أزمتها السياسية التي تستعصي على الحل حتى الآن؛ فخلال الأيام القليلة الماضية دار الحديث حول التوقيع النهائي للاتفاق السياسي بين القوى المدنية والعسكرية، لكن حدث خلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع بخصوص دمج الأخيرة في الجيش عرقل ذلك؛ ما زاد التخوفات مما ستؤول إليه الأمور.

وقد اجتمع يوم السبت الماضي في القصر الرئاسي الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، والفريق محمد دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، وممثلون للأحزاب والقوى المدنية وممثلون أمميون لأجل هذا الغرض؛ لكن الخلاف حال دون ذلك، وقد تمحور هذا الخلاف حول مطالبة الجيش بدمج "الدعم السريع" في القوات المسلحة خلال عامين فقط، في حين تطالب قوات الدعم السريع بمدة أطول تتراوح ما بين 5 - 10 سنوات، بجانب اشتراطها خروج الضباط الموالين للرئيس المعزول عمر البشير من الجيش؛ ما زاد المشهد تعقيدًا.

تجاذباتٌ سياسية

في هذا الصدد، قال الدكتور أبو بكر فضل، الأكاديمي السوداني والباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية، بعد إصرار الآلية الثلاثية (الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيقاد"، وبعثة الأمم المتحدة) على المضي قدمًا في التسوية السياسية بين المجموعتين المدنية والعسكرية الموقعتين على الاتفاق الإطاري دون غيرهما، وكذلك إصرار قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي على إقصاء المجموعات الأخرى؛ فإن الأزمة السياسية دخلت مرحلة جديدة شهدت تجاذبات سياسية بالغة التعقيد والحساسية، وحدوث اصطفافات والاصطفافات المضادة ظهرت ذلك في تصريحات قادة القوى السياسية والعسكرية.

وأضاف فضل لـ"الفتح" أنه نتيجة لتلك الحالة التي أحدثها الاتفاق الإطاري الموقع الخامس من ديسمبر الماضي انقسم المكون العسكري وتعالت أصوات قادة الجيش و"الدعم السريع" فيما بينهما، وظهر الصراع المكتوم بين الجنرالات للعلن، وتمحور في مشروعين سياسيين متناقضين، ويبدو أن الصراع تمظهر في شكل أقرب للتحالفات؛ حيث نجد اقتراب قائد قوات الدعم السريع من قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، متمسكًا ومتحمسًا للاتفاق الإطاري، بينما على النقيض نجد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الأكثر قربًا من الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية التي تنادي بالتسوية الشاملة عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.

وأشار إلى أنه من خلال الورش التي عقدتها الآلية الثلاثية مع أطراف الاتفاق الإطاري؛ برزت عدة خلافات أخرى أهمها وأخطرها الخلافات بين قادة الجيش و"الدعم السريع" في عملية الدمج والتسريح، خاصة أثناء ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي انسحب منها ممثلو الجيش والشرطة والمخابرات. هذه الخلافات أدت إلى عدم الاتفاق على التوصيات النهائية للورشة، وعصفت بالجدول المتفق حوله كإطار زمني للتوقيع النهائي وتشكيل الحكومة.

وأردف الباحث السياسي أنه بعد شد وجذب اجتمع الإطاريون واتفقوا على تأجيل التوقيع إلى يوم ٦ أبريل الجاري، لكنه مشروط بتحديد مصفوفة عملية دمج وتسريح قوات الدعم السريع بحسب تصريحات قادة الجيش. لكن خلال هذه المدة القصيرة يصعب الاتفاق على القضايا الخلافية وحسم جدلية دمج وتسريح "الدعم السريع" من عدمه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تصعب إمكانية ردم الهوة وحسم النقاط الخلافية بين الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي؛ وبِناءً على معطيات الواقع وحدة الخلافات بين أطراف الأزمة وتصاعد الخلافات بين طرفي المكون العسكري أن التوقيع النهائي في الموعد المحدد يصعب تحقيقه.

وتابع أن الحل يكمن في إكمال التسوية الجارية على مستويين: الأول عسكري عن طريق حسم الخلاف بين الجيش و"الدعم السريع"، والاتفاق على مصفوفة زمنية لدمج وتسريح أخيرة ومعالجة إشكالية الجوانب الإدارية والقيادة والتسليح والشركات التي تخص "الدعم السريع". ومن المتوقع الاتفاق على الدمج والتسريح وهيكلة وتحديث وتطوير المنظومة الأمنية برمتها، وهنا تتكامل هذه العملية مع بروتوكول الترتيبات الأمنية المتعلقة باتفاقية "جوبا" للسلام في السودان.

واستطرد: أما المستوى الثاني فهو مربوط بحسم الخلاف بين كتلتي الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية، والمجلس المركزي)، وهذا لا يتأتى إلا بقبول المجلس المركزي بكامل مكونات الكتلة الديمقراطية، وإلا فالاتفاق النهائي بعيد المنال، وإذا حدث فيظل معلقًا دون تنفيذ، وتتصاعد حدة الخلافات بين الإطاريين والرافضين، وحينذاك يجد قائد الجيش الفرصة للضغط على أطراف الاتفاق إما قبولهم بالرافضين أو التسويف في عدم تنفيذ الاتفاق أو غير ذلك.

وختم بأن مسألة خروج الجيش من العملية السياسية بعيدة رغم أهميتها حاليًّا لتوفير مناخ سياسي ملائم، لكن تظل هذه الجدلية قائمة طيلة الفترة الانتقالية؛ والسبب الرئيس فيها الخلافات السياسية بين القوى السياسية والمجتمعية والمهنية، ووجود اتفاقية سلام، وتعدد جيوش المنتظرة دمجها وتسريح بعضها، وكثافة التدخلات الخارجية، وارتباط المحاور الإقليمية والدولية بالجيش في ملفات عديدة؛ كل ذلك يمثل موانع خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية حتى نهاية الفترة الانتقالية بإجراء الانتخابات العامة.

خلافاتٌ جوهرية

أما الدكتورة فريدة بنداري، الباحثة السياسية ونائبة مدير المركز العراقي الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، فترى أن تأجيل توقيع الاتفاق النهائي الذي يتضمن إنشاء سلطة مدنية انتقالية في البلاد حدث بسبب بعض الخلافات حول القضايا الخاصة بالإصلاح الأمني، والسودان لم يرَ أسوأ من المشهد الحالي عبر  مراحل تاريخه؛ فقد شهد في مراحل مختلفة حروبًا أهلية  استمرت لعدة سنوات تسببت في مآس بشرية لا تزال مستمرة،  بل أدت إلى شق الوحدة الوطنية بانفصال الجنوب، لكن ما يحدث اليوم يبدو مختلفًا تمامًا من حيث خطورته وحجمه ونتائجه المحتملة.

وأضافت "بنداري" لـ"الفتح" أن الفترة الماضية منذ آواخر عام 2022م حدثت انقسامات كثيرة على المستويين المدني والعسكري، وتأجيل الاتفاق السياسي السوداني خطأ في ترتيب الأولويات، وجاء نتيجة إهمال/ أو عدم انتباه أطراف الاتفاق السياسي السوداني لبعض القضايا التفصيلية التي ظهرت  الآن في توقيتات الدمج، وتلك الاختلافات ناتجة عن التوظيف السياسي لبعض القوى.

وأردفت أن الطريق نحو الاستقرار في البلاد لا يزال وعرًا ويصعب تحقيقه دون صدام، ورغم ذلك  فإن الثقة المتبادلة والإرادة السياسية الطيبة يمكن أن تجعل السلام أفقًا ملموسًا أكثر من أي وقت مضى. ويمكننا أيضًا إرجاع التأجيل لما يتعلق ببعض الخلافات الخاصة بإشراك أكبر نسبة ممكنة من السياسيين المدنيين؛ وكلها خلافات من السهولة تجاوزها.

وتابعت الباحثة السياسية أن ما يحدث الآن من حرب كلامية وتأجيل إتمام اتفاقات السلام يكشف لنا الاتفاق الذي لم يصدقه كثيرون، وهي أن "الدعم السريع" جزء من القوات المسلحة وتأتمر لقائدها الأعلى؛ الرئيس السابق عمر البشير والوضع كان مقلق وخطير، فمنذ سنة 2013م -وقت إنشاء قوات الدعم السريع- وهي تتبع هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات، ثم قرر البشير لاحقًا وضعها تحت إمرته باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. ويمكننا تفسير تفاقم المشكلة منذ استدعاء البشير لقوات الدعم السريع إلى الخرطوم للاستعانة بها في محاولة قمع الثوار، ومن يومها لم تغادر العاصمة بل عززت وجودها العسكري فيها. وبعد الاطاحة بنظام البشير وتولي القيادة العسكرية الحالية زمام الأمور أدخلت تلك القوات إلى حلبة الصراع على السلطة، لم يتوقف دور تلك القوات عند هذا الحد لكنها أُشركت باعتبارها طرفًا في اتفاقية السلام التي وُقعت مع عدد من الحركات المسلحة عام 2020م؛ وكانت نتائجها كارثية إذ أسهمت في انفراط عقد الأمن في الخرطوم وظهور حركات مسلحة بمناطق لم يسبق لها أن أشهرت السلاح ضد الدولة.

واستطردت أن تخطي هذه الأزمة يحتاج إلى قرار هيكلي، فمن خلق هذه الأزمة هم قادة الجيش نفسه منذ عهد البشير حتى الآن؛ لأن الجيوش النظامية لا يجب أصلًا أن تلجأ لتشكيل ميليشيات تستخدمها أداة في حروبها الداخلية، ثم في صراعها السياسي ضد خصومها. لكن ما يحدث حول موضوع الدمج وفقًا لما هو منصوص عليه في الاتفاق الإطاري، فإن كل طرف يراها من زاوية مختلفة؛  ففريق البرهان وزملاؤه في القيادة العسكرية يرون في الدمج تقليصًا لنفوذ "حميدتي" ووضعه تحت القيادة الهرمية للجيش، في حين يرغب فريق "حميدتي" ونائبه في الدمج وإعادة الهيكلة وبالتالي الحد من تغلغل عناصر الحركة الإسلامية.

وختمت بأنه رغم أن السودان أول دولة أفريقية شهدت انتخابات خلال عام 1958م، لكنها كتجربة لم تنجح واستمر الحكم العسكري لعدة سنوات؛ وبِناءً على ذلك ربما ستتعثر خطوات وآمال السودانين في حكم مدني خالص؛ لأن المكون العسكري ليس لديه ثقة في القوى المدنية، إضافة إلى إدراك البرهان عندما ذكر أن المؤسسة العسكرية ستنسحب لإتاحة الفرصة للمدنيين للاتفاق على تشكيل حكومة مدنية- كان يدرك تمامًا أن القوى السياسية السودانية لن تتفق، وأن أي اتفاق لا يتضمن الشراكة مع العسكريين سيعيد الأزمة من جديد.