تذكير المحتفلين بالمولد أن خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- (1)

  • 50

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فما زال الخلاف تنظيرًا وتطبيقًا بين دعاة السنة ودعاة البدع أي الفريقين سيغير الناس، ويكسبهم في صفه، ويرغبهم في مذهبه، وما زلنا نرى أثر تغير كثير من الناس على أحوالنا، فقد صرنا إلى ضعف وهوان وبلاء وفرقة، وفتن وضيق في المعاش بعد أن غيرنا النهج الذي وضعه لنا الوحي لنسعد ونرشد، واستبدلنا طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته بطرق أخرى معوجة، دعا لها أئمة ضلال ورؤوسٌ جهال. 

وما زال في المسلمين دعاة هدى على الحق ظاهرين حريصون على أن يتغير المسلمون إلى الحال الأكمل الذي يتحقق به اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- اتباعًا حقيقيًّا؛ فيحبهم الله ويحبونه، ويغير ما بهم، ويبدل ضعفهم قوة، وخوفهم أمنًا، وتأخرهم تقدمًا، وضيقهم سعة؛ وفي ذات الوقت حين يدلس أهل البدع ويلبسون الحق بالباطل ويزينون للناس المحدثات ويصورنها من جملة القربات وأن لها أصولًا شرعية تعتمد عليها أو أنه يكفي لسلامتها وقبولها سلامة قلوب من يقوم بها وحسن نيته، ومِن هذه البدع التي يكثر حولها الكلام في هذه الأيام بدعة الاحتفال بمولد النبي سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-.

ومِن أكبر ما يستند إليه المحتفلون بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ادعاء أن ذلك صورة من صور الحب، وأن الباعث عليه الإجلال والتعظيم لمقام النبي الكريم، ولا يلام المحب إذا احتفى بحبيبه وأظهر ذلك الحب بأية طريقة، ولبيان بطلان ما استندوا إليه والعدل في الحكم عليه لا بد من الرجوع إلى كتاب الله -عز وجل-، وهو الفرقان المبين والكتاب المنير، خير ما نزن به الأقوال والأفعال، ونتحاكم إليه عند النزاع.

وإننا حين نفعل ذلك يظهر لنا بطلان هذا الادعاء، وأبين الآيات في ذلك قوله -تعالى:- (قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكم ذُنُوبَكم واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: 31).

"فقد جعل -سبحانه- متابعة رسوله سببًا لمحبتهم سبحانه لهم، وكون العبد محبوبًا لله أعلى من كونه محبًّا لله، فليس الشأن أن تحبَ الله، ولكن الشأن أن يحبك الله، فالطاعة للمحبوب عُنوان محبته كما قيل:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه                 هـذا محـال في الـقياس بديع

لو كان حبـك صادقـًا لأطعـته                 إن المحب لمن يحب مـطيـع

وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها، فهي إنما تتحقق باتباع أمره، واجتناب نهيه، فعند اتباع الأمر واجتناب النهي تتبيَّن حقيقة العبودية والمحبة، ولهذا جعل -تعالى- اتباع رسوله عَلَمًا عليها، وشاهدًا لمَن ادَّعاها، فقال -تعالى-: (قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: ٣١). قال الحسن: قال قوم على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنا نحب ربنا؛ فأنزل الله -تعالى- هذه الآية: (قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). 

يعني أن متابعة الرسول هي موافقة حبيبكم، فإنه المبلغ عنه ما يحبه وما يكرهه، وهي قوله فمتابعته موافقة لله في فعل ما يحب وترك ما يكره" (انتهى من كلام لابن القيم بتصرفٍ)

فتبيَّن من صريح القرآن أن الاتباع للرسول فيما فعل وترك من العبادات عنوان المحبة ودليلها، وأن المواظبة على فعل  ما نهى عنه -البدع- ليس من الحب في شيء، بل هو إلى البغض أقرب، وهذا يقال فيمن علم ذلك فكابر؛ وإلا فالكثير ممَّن يحتفلون يجهلون ذلك، وصدق نيتهم وجهلهم بحقيقة الاتباع وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهديه يشفع لهم في الإعذار وعدم المؤاخذة لا في قبول تعبدهم بالاحتفال، فالتعبد بما لم يشرع مردود كما ورد في الكتاب والسنة، وقد يؤجر على جنس المحبة والتعظيم ويغفر له خطؤه كما بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم حين قال: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس؛ إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى -عليه السلام-، وإما محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع -من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده-، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا؛ لكان السلف -رضي الله عنهم- أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.