باحث شرعي يرد على معارضي بيان حزب النور بشأن دعم الرئيس السيسي في انتخابات 2024

  • 631
الفتح - حزب النور يدعم الرئيس السيسي في انتخابات 2024

قال الكاتب والباحث الشرعي ناصر خضيري: لقد قابل البعض بيان حزب النور بخصوص دعم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة 2024 بشيء من الرفض والاعتراض على التأييد، مما حملنا على مناقشة الدوافع حول هذا الاعتراض، فأسأل هؤلاء: "ما دوافع هذا الاعتراض؟! هل هي دوافع عاطفية أم عقلية أم شخصية أم أنها مبنية على اتباع الهوى أو مراعاةً للعامة أم أنها مبنية على أسس شرعية؟!"، قائلا: وهذا الأخير ما نتمناه، لكنه بعيد المنال كما سنبين.

وأضاف "خضيري" -في منشور له عبر "فيسبوك"-: إن كان الدافع لهذا الاعتراض هو العاطفة الدينية، فنقول: إن العاطفة تجاه الدين أمرٌ محمودٌ لصاحبه،  ولكنَّ العاطفة ينبغي أن تكون منضبطةً بالشرع، فإن العواطف غير المنضبطة بالشرع عواصف، ولقد قابل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- صُلح الحديبية بعاطفةٍ دينية جياشة تنبىء عن محبة شديدة للدين وغيرة عليه، فقد قال: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل؟، قال: «بلى»، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: «بلى»، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع، ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم. [صحيح البخاري].

وتابع: ولكن لما بين له النبي -صلى الله عليه وسلم- مآلات الأمور وأرسى له قاعدة المصالح والمفاسد وبين له أن هذا من المتغيرات وليس من الثوابت، فإن مُنِعنا هذا العام من العمرة فإنك آتٍ البيت ومُطَوفٌ به، فهذب عمر -رضي الله عنه وأرضاه- هذه العاطفة، وألجمها بلجام الشرع، والتزم بقرار القيادة الراشدة الحكيمة، وكان -رضي الله عنه وأرضاه- يرى أن شكه في خطأ الاجتهاد ذنبٌ ينبغي أن يعمل له أعمالًا صالحة تُكفر عنه صنيعه، وكذلك عُوتب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أقسم ليأخذن في مقتل حمزة سبعين رجلاً يُمثِّل بهم كما مثلوا بحمزة -رضي الله عنه-، فنزل قول الله -عز وجل-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]؛ فضبط النبي -صلى الله عليه وسلم- عاطفته بوحي الله المُنَزّل، فالعواطف عواصف إن لم تكن منضبطة بالشرع.

واستطرد "خضيري": وأما إن كان الدافع عقليًا مبنيًا على العقل والاعتداد بالرأي، فذلك مسلك أهل البدع من المعتزلة وغيرهم ممن يقدمون عقولهم القاصرة على صحيح الشرع، وقد قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه-: لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخف أولى من ظاهره. [صحيح أبي داود]، وإن كان العقل الصحيح يؤيد ما نصير إليه؛ لأنه يدرك مآلات الأمور ولا يتعارض عقل صحيح مع نقل صريح، وإنما يؤتى المرء من فساد عقله الذي يستحسنه رغم مخالفته للشرع.

وأضاف: أما إن كان الدافع للرفض مراعاة الناس، وخشية مواجهتهم؛ فالحذر الحذر من هذا المنعطف الخطر، فقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنَّ اللهَ تعالى لَيسألُ العبدَ يومَ القيامةِ، حتى يسألُه ما منعك إذا رأيتَ المنكرَ أنْ تُنْكِرَه؟ فإذا لقَّن اللهُ العبدَ حجَّتَه قال: يا ربِّ رجَوْتُكَ، وفَرِقْتُ -خشيت- من الناسِ» [صحيح ابن ماجه]، وليست هذه الخشية التي تكون من باب الإكراه المعتبر، ولكنه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراعاةً للناس مع القدرة؛ خشية ذم الناس له، وأي منكر أعظم من حدوث الفتن، وضياع البلاد، والانقسامات، وحالة الضعف التي تضيع معها مقاصد الشريعة، فعندما يرى الإنسان سبيلًا للبُعد عن هذه المنكرات ولا يسلكه خشية الناس، فإنه تاركٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقال الكاتب والباحث الشرعي: وأما إن كان الدافع هي الحسابات الشخصية والمصالح الضيقة، كأن يخشى أن يكون محسوبًا على الكيان فيكون لذلك ضريبة، فقد وقع ذلك من حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه وأرضاه- عندما رأى أنه امرء ملصق في قريش فراسلها ليكون له يدٌ على قريش يحمي بها أهله وماله، وقد سلك مسلكًا كان ربما تكون فيه هلكته، حتى إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- قال: دعني أضرب عنق هذا المنافق. [صحيح البخاري]، ولكن سابقته ببدر وبذله وتضحيته غفرت له صنيعه، وكان الأولى به ألا ينظر إلى المصالح الشخصية، ولا الحسابات الأرضية، ولكن يرجع إلى القيادة فيبوح لها بما يجيش في صدره لتحدث له من الطمأنينة والسكينة وحسن الظن بالله والثقة بوعده ونصره، ما لا يجعله يظن أن الدائرة ربما تكون على الثلة المؤمنة فيلحقه من الأذى ما لا يطيقه،  وقد كان خلاف ما ظنه حاطب، وكان الفتح المبين لعباد الله المؤمنين، فظفر من أحسن الظن وتوكل على الله، وخاب من أساء الظن وظن أن مصيره بيد البشر.

وتابع: وأما إن كان الدافع اتباع الهوي، فقد قال الله -تعالى-: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]، وقال -تعالى-: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]، وهذا لا سبيل لنا عليه إلا أن يجاهد نفسه بالإخلاص، وحسن القصد، والاستسلام للشرع، فإن اتباع الهوى مضاد لاتباع الوحي المنزل، وقد قال الله -تعالى-: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ} [هود: 14].

وأردف "الخضيري" بقوله: وأما إن كان الدافع إلى الاعتراض هو سوء الأحوال الاقتصادية، وغلاء الأسعار، وضيق المعيشة، فهذا أمر لا تخطئه العين، ولا ينكره أحد، وهو عين ما نخاف منه، فإن السير إلى طريق مجهول سيجر الناس من سيئ إلى أسوأ، ومن شر إلي أشرٍ منه، وليس الحل في خيارات تؤدي إلى أسوأ مما نحن فيه، فليس الفقيه من يعرف الخير من الشر، ولكن الفقيه من يعرف خير الخيرين وشر الشرين.

وقال: وأما إن كان الدافع أنه لا جدوى من المشاركة، وأننا شاركنا أو لم نشارك فالأمر محسوم!، نقول: هذا بالنسبه للأفراد وليس للكيانات التي لها مساحات دعوية تريد أن تحافظ عليها وأن تبقى فيها من أجل مزيد من الخير والإصلاح، أو لمن ليس له مشروع إصلاحي يهدف إلى أن يحفر له مسارًا تدريجيًا يُحدِث من خلاله تأثيرًا في الواقع الذي نعيشه وينقذ الشباب من المسارات الصدامية التي تضر بالمشروع الإصلاحي، وتشوهه وتشوه حَمَلتَه، وتجعل ذلك ذريعةً للمغرضين للنيل من حَمَلتِه ووضع العراقيل أمامهم بسبب هذه الممارسات الخاطئة، وكذلك يُبعد الشباب عن مسار اليأس والإحباط الذي يجعلهم ينحرفون عن الطريق أو يتشككون فيه، بل ربما يتركونه بالكلية؛ لأنهم يصطدمون بواقع مرير يجعل اليأس والإحباط هو المخيم عليهم، وهم مع ذلك كله يتعبدون بالأخذ بالأسباب وليس بالنتائج، كما أنهم يقيمون الحجة على الخلق، ويَعتذِرون بين يدي الله -عز وجل-.

وأضاف: وأما إن كان الدافع أن هذا ليس بولي أمرٍ شرعي يحكم بالشرع ويقيمه حتى نؤيده؛ فالجواب: إننا لم نقل ذلك، ولم نذكره قط، بل نحن نقول: إنه رئيس مختار وفق الدستور وله صلاحيات معينة، وأن مبدأ التعاون على البر والتقوى لابد أن يكون شعارًا لنا مع كل الناس، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «والَّذي نفسي بيدِهِ، لا يَسأَلوني اليومَ خُطَّةً يُعظِّمونَ بِها حَرَماتِ اللَّهِ إلَّا أعطيتُهُم إيَّاها» [صحيح أبي دواد]، وقوله: «لقد شهدت مع عُمُومَتِي حلفًا في دَارِ عَبْدِ اللهِ بن جدْعَانْ مَا أُحبّ أَنّ لِي بِهِ حمر النعم، وَلَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ» [تفسير الطبري، وإسناده صحيح]، وقد قال ابن القيم -رحمه الله- في فوائد صلح الحديبية: إن المشركين، وأهل البدع والفجور، والبُغاة والظلمة، إذا طلبوا أمراً يعظمون فيه حرمةً من حُرُمات الله -تعالى-، أجيبوا إليه وأعطوه، وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره، فيعانون على ما فيه تعظيم حرمات الله -تعالى-، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك، فكلُّ من التمس المعاونة على محبوب لِلِه -تعالى- مُرضٍ, له، أجيبَ إلى ذلك كائِناً من كان، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوضٌ لله أعظم منه، وهذا مِن أدقِّ المواضع وأصعبِهَا، وأشقِّهَا على النفوس، ولذلك ضاق عنه من الصحابة من ضاق، وقال عمر ما قال، حتى عمل له أعمالاً بعده.

وتابع "الخضيري": وأما إن كان الدافع شرعيًا، فنقول له قول الله -تعالى-: «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» [البقرة: 111]، ليأتِ على ما يدعي بأدلة شرعية تؤيد ما يذهب إليه وأنّى له هذا؟!، والأدلة على خلاف ما يذهب إليه، مشيرا إلى بعض المواقف والفتاوي التي تبين خلاف ما يذهب إليه:

1- مبايعة عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وبعض الصحابة للحجاج بن يوسف الثقفي مع ظلمه وبطشه، وإراقته للدماء، وقتله لعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-، وصلبه على مداخل مكة، وضربه للكعبة بالمنجنيق، وقتله للعلماء أمثال: سعيد بن جبير وبعض التابعين، والصلاة خلفه، والجهاد وراءه؛ ليس إقرارًا بطاعة أو ركونًا له، ولكن دفعًا لمفاسد أكبر.

2- تولي سيدنا يوسف -عليه السلام- الولاية في ظل حكم ملك مصر مع القطع بوجود مظالم كثيرة في أعوان الملك -والملك نفسه-، وهذا ليس رضا بذلك، ولكن لتقليل الشر والفساد، وتكثير الخير والصلاح.

3- استمرار النجاشي في ملك الحبشة مع كتمان إسلامه وعدم إظهاره، وعدم قدرته على الحكم بالشريعة بينهم؛ لتحقيق العدل وحماية المستضعفين والمسلمين، ولم يترك ملك الحبشة ويذهب ليتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته عليه بعد موته صلاة الغائب.

4- العز بن عبد السلام -سلطان العلماء- المشهور بالإنكار على نجم الدين أيوب في عصره، صاحب كتاب "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" في باب الولايات افترض ترشح مَن ينتهك أموال الناس، ومَن ينتهك أعراضهم، ومَن ينتهك دماءهم؛ فهل على الرعية الاعتزال وعدم اختيار أحد؟ أم المشاركة واختيار أقلهم شرًّا ومفسدة؟ فقال: يختاروا مَن ينتهك أموال الناس حتى لا يصل مَن ينتهك أعراضهم وأنفسهم، وهذا ليس إقرارًا بأخذ أموال الناس بالباطل "هذا معنى كلامه وليس نصه"، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: ليس الفقيه مَن يعرف الخير مِن الشر، ولكن مَن يعرف خير الخيرين وشر الشرين.

5- سُئل الشيخ العثيمين -رحمه الله- عن مشاركة المسلمين الذين يعيشون في أمريكا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أم المقاطعة؟ فقال: تشارك وتختار أقلهم عداءً وشرًّا على الإسلام، مع أنك تختار بيْن كافرين، ولكن بعض الكفر أهون مِن بعض.

6- سئل الشيخ الألباني -رحمه الله- عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية في لبنان أم الاعتزال والمقاطعة مع ترشح ماروني ودرزي وكلاهما كافر وليس ظالمًا أو جائرًا أو فاسقًا فحسب؟! فقال: تشاركون وتختارون الماروني؛ فإنه أقل شرًّا على الإسلام مِن باب اختيار أخف الضررين وأدنى المفسدتين، وأكل الميتة للمضطر.

واختتم الكاتب والباحث الشرعي حديثه بقوله: نذكِّر أن الأمر بيد الله، ومستقبلنا ليس بيد أحدٍ غير الله؛ فلا تتعلق القلوب بأحدٍ، ولكن هذا مِن باب الأخذ بالأسباب، وينبغي أن نلتزم بالرأي والقرار المبني على الشورى والعلم الشرعي، والحفاظ على كيان الدعوة وقواعدها ومساحاتها الدعوية، وأن نثق بعلمائنا، ولا نتأثر بردود أفعال المخالفين الحاقدين أو هجومهم على الدعوة؛ فإن موقفهم منك لن يتغير؛ فامضِ ولا تلفت، ونسأل الله أن يلهمنا ويلهم مشايخنا وعلماءنا الخير والسداد، والتوفيق للأصوب، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، ولما فيه مصلحة البلاد والعباد.