السودان يتجه إلى جولة جديدة من المفاوضات

خبراء: التسوية السياسية تنهي الصراع المسلح.. واستمرار الفوضى يعقد الأوضاع الإنسانية

  • 27
الفتح - السودان أرشيفية

يعيش السودان منذ نحو عامين أو يزيد حالة من التقلبات السياسية تطورت في شهر أبريل الماضي إلى صراعات عسكرية داخلية بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"؛ قُتل بسببه الآلاف ونزح الملايين داخل البلاد، وهاجر الآلاف أيضًا للدول المجاورة وعلى رأسها مصر، بجانب دمار هائل في البنية التحتية السودانية، وتظهر كل فترة بوادر محادثات أو مبادرات من أجل الوصول لحل سلمي للأزمة؛ فخلال الأيام الماضية ظهر حديث حول استئناف المفاوضات في مدينة جدة السعودية بوساطة أمريكية سعودية، ووجهت دعوة أمريكية سعودية للطرفين لاستئناف المفاوضات التي توقفت منذ شهر يونيو الماضي على إثر انسحاب وفد الجيش بسبب عدم تنفيذ "الدعم السريع" إعلان جدة الموقع في مايو الماضي الذي تضمن الخروج من المنازل والأعيان المدنية.

وبطبيعة الحال متوقع أن يتمسك وفد القوات المسلحة السودانية بضرورة تنفيذ قوات "الدعم السريع" إخلاء منازل المواطنين والأعيان داخل المدن، بجانب ترتيبات دمج وتسريح القوات المتمردة، وعدم مناقشة أي قضايا سياسية. 

وجاءت هذه الدعوة وسط تخوفات دولية وإقليمية من اتساع رقعة وأمد الصراع، وإذا استؤنفت تلك المفاوضات مرة أخرى عمليًا ستكون الأولوية لرفع المعاناة عن شعب السودان الشقيق، وإيصال المساعدات الإنسانية إليه، ووقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير تعيد بناء الثقة بين الطرفين المتصارعين. 

وقد بدأت اجتماعات رسمية لتأسيس "الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية" في السودان، من داخل العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، شاركت فيها شخصيات وقوى مدنية وسياسية، فيما حذر عبد الله حمدوك رئيس الحكومة السودانية السابق –أثناء الاجتماع التحضيري للجبهة المدنية- من الوضع الراهن، وأكد أنه يحتم على الجميع التعاون لإنهاء هذه الحرب المتواصلة، وأن تتضافر الجهود للحفاظ على وحدة السودان وعدم تقسيمه إلى دويلات، وناشد المجتمع الإقليمي والدولي بذل مزيد من الجهود في هذا الشأن، مطالبًا بعض دول الجوار بالتوقف عن إرسال مرتزقة لقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية. 

في هذا الصدد، قال عمار العركي، الكاتب والمحلل السياسي السوداني: إن البرهان خلال الأيام الأوَل للحرب، وفي ظل دعوات ومبادرات الهُدن والتهدئة، أعلن أن "أي حرب لا بد أن تنتهي بتفاوض وتسوية سلمية"، بالإضافة إلى أن البرهان بات يأتمر ويتقيد بالتفاف الشعب ووقوفه مع الجيش الذي يطالب بدحر وحسم التمرد؛ فالحسم العسكري توجُّه ومطلب جماهيري وشعبي.

وأضاف العركي لـ "الفتح": هذه الحرب موجهة ضد المواطن والشعب أكثر منها ضد الجيش ومقاره؛ لذلك عندما يتحدث البرهان عن أن الأولوية والأفضلية للحل السلمي يكون باعتباره مبدأ ونهاية حتمية وواقعية ومنطقية، علاوة على أن البرهان كثيرًا ما صرح بأن التفاوض والحل السلمي يتمحور حول مسار واحد وهو "استسلام وتسليم الميليشيات"، وهذا يشير ضمنيًّا إلى موقف الجيش على الأرض وسيطرته وقدرته على الحسم.

وأكد أن الذي يمنع حتى الآن من توصل طرفي الصراع لحل يتوافقان عليه، بجانب بقية القوى السياسية المدنية، هو تلك التسمية (طرفي الصراع)، فأي حل أو مساعٍ لحل تساوي بين الأطراف فهو أمر لا يستقيم، ولن يقبل به الجيش والشعب والشارع السوداني. 

وتابع أن البرهان يصرح دومًا بخروج الجيش من العملية السياسية، بداية من موقفه المعلن منذ 25 أكتوبر عام 2021م، ويؤكده في كل مناسبة. ومن الناحية العملية فالجيش خرج من العملية السياسية عقب قرار الخروج من عملية الحوار السياسي الذي ترعاه بعثة "فولكر"، وترك الأمر للسياسيين فيما بينهم ليصلوا لتوافق واتفاق، وبعدها سيسلم البرهان السلطة لهم، وهذا الأمر كان يسير وفق التزام الجيش والبرهان لولا التطورات والممارسات التي أضرت بالالتزام من بعثة "فولكر" وجماعة "الحرية والتغيير" التي سعت لاستلام السلطة منفردة وإقصاء الآخرين.

وشدد على أن عدم حسم هذه الحرب عسكريًا أو تفاوضيًا؛ ستمتد نيرانها إلى باقي المناطق، التي هي في أصلها حالتها هشة وقابلة للحرب الأهلية وتتوفر فيها عوامل اندلاعها خاصة دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق،... وإلى حد كبير شرق السودان. منوهًا باستبعاد هذا السيناريو في ظل مبادرات وتحركات سياسية داخلية وإقليمية أفضت إلى اختراق جيد في جدار الثقة الداخلي من خلال توافق حول حوار سوداني- سوداني بدأ بالعاصمة الإدارية في مصر، وتطور بتأييد ومباركة ودعم دول جوار السودان؛ ليعلن عنه في أسمرا، وجرى تنفيذه وتطبيقه مؤخرا في حاضرة بورتسودان "أركويت" عبر لجان عمل متخصصة.

في حين يرى أبو بكر الهادي، المحلل الاقتصادي، أن استمرار الصراع المسلح وانتشار فوضى السلب والنهب يسهم في منع دخول الأغذية والسلع من مناطق الإنتاج إلى مدن عدة، لا سيما أن الخرطوم لم يعد بها أي نشاط اقتصادي سواء زراعي أو صناعي أو تجاري، بجانب توقف أعمال الموظفين في القطاعين العام والخاص، إضافة إلى نفاد مخزون البضائع واختفائها من الأسواق، وقد أثر ذلك بشدة في الولايات التي تشهد موجة نزوح كبيرة.

وأشار الهادي إلى أن تكدس مواد الإغاثة في بورتسودان -في ظل الحاجة إليها- يعد جريمة إنسانية ضد المواطن السوداني الذي يعاني بسبب إطلاق النار المستمر وانعدام الأمن وانتشار السرقة بالإكراه تحت تهديد السلاح، وغالبية هؤلاء المواطنين يعتمدون على معاشهم يومًا بيوم، واستمرار الحرب بالطبع يؤثر في أرزاقهم وتدبير حاجاتهم.