والعاقبة للمتقين.. "داعية" يوضح حكمة الله في تسليط أعدائه على أوليائه

  • 44
الفتح - الكاتب والداعية الإسلامي سعيد محمود

قال الكاتب والداعية الإسلامي سعيد محمود -في مقال له عبر موقع "صوت السلف"-: إن حكمة الله في تسليط أعدائه على أوليائه، والإجابة على مثل هذه الأسئلة "ألسنا مسلمين وهم كافرون؟! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟! ألسنا مظلومين وهم ظالمون؟! فلماذا نُهزم ونُقتل ويُقتل أطفالنا؟ ولماذا تهدم بيوتنا؟ ولماذا نُطرد من ديارنا؟ وبالجملة: لماذا يتسلط علينا الكفار؟)، من عدة وجوه، وهي:

1- أن حكمة الله وسنته في رسله وأتباعهم، جرت بأن يُدالوا مرَّة، ويُدال عليهم أُخرى، لكن تكون لهم العاقبة، ولا تمكين إلا بعد امتحان وابتلاء، قال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128]، وقال هرقل لأبي سفيان: "هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال، يُدال علينا المرة، ونُدال عليه الأخرى، قال: كذلك الرسل تُبتلى، ثم تكون لهم العاقبة" (متفق عليه).

2- أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، كما قال -تعالى-: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ} [آل عمران: 179].

3- تعريف المؤمنين سوء عاقبة المعصية، وأن الذي يصيبهم إنما هو شؤم مخالفة أمر الله ورسوله، ليكونوا بعد ذلك أشد حذرًا ويقظة، وتحرزًا من أسباب الخذلان: قال -تعالى- عن أثر مخالفة أمر الرسول يوم أُحُد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152].

4- استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء (التوبة - الصبر - الدعاء - الثبات - الاحتساب - ...)، فهم عبيده حقًّا، وليسوا كمن يعبد الله على حرفٍ من السراء والنعمة والعافية، قال -تعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: 11].

5- أنه لو نصرهم دائمًا وأظفرهم بعدوهم في كلِّ موطن، وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدًا، لطغت نفوسهم، وشمخت وارتفعت، فلو بسط لهم النصر والظفر، لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق، فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء: قال -تعالى-: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27].

6- أنَّ الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصِّدَّيقية إلا الشهادة، وهو -سبحانه- يحب أن يتخذ من عباده شهداء؛ تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو، قال -تعالى-: ﴿إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 104].

7- أنه سبحانه هيَّأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته، لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيَّض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ ‌مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ‌ابْتَلَاهُ ‌اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال -تعالى- في ثمن الجنة: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111].