عاجل
  • الرئيسية
  • الشارع السياسي
  • مائة عام من الحرص على إبعاد الدين عن الصراع بينهم وبيْننا.. "برهامي" يوضح "لماذا تجرأ أعداؤنا من الصهاينة وأعوانهم علينا؟!"

مائة عام من الحرص على إبعاد الدين عن الصراع بينهم وبيْننا.. "برهامي" يوضح "لماذا تجرأ أعداؤنا من الصهاينة وأعوانهم علينا؟!"

نائب رئيس الدعوة السلفية: لابد من معالجة مشاكلنا الداخلية التي سلـَّط الله الأعداء علينا بسببها عَدْلًا منه وحكمة

  • 105
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

تساءل الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية "لماذا وَصَلَت جُرْأَةُ اليهودِ "وحُلَفَائِهِم الأمريكان" إلى هذه الدرجة في الوقت الحاضر؟! وقد ظَلُّوا طيلة مائة سنة -بل أكثر- يحرصون أشد الحرص على إبعاد الدين عن الصراع بينهم وبيْن المسلمين؛ حتى "وعد بلفور" كان بـ"وطن قومي" لليهود في فلسطين، مع التناقض الواضح بيْن معنى الوطن القومي الذي لا تتعدد فيه الجنسيات والقوميات واللغات، وبيْن كونه لليهود الذين يجمعهم رابط واحد فقط هو الدين؟!".

وأوضح "برهامي" -في مقال نشرته قديما جريدة الفتح، وأعاد نشطاء تداوله مؤخرا-: أن الحقيقة التي لا شك فيها: أنها دولة دينية بكل اعتبار؛ جمعت شراذم اليهود مِن كل جنسٍ ولونٍ على اختلافهم  بجامعٍ واحدٍ، هو الديانة اليهودية، والتي يحاولون دائمًا أن يصبغوها بصبغة "القومية!"؛ إلا أنهم في وقتنا الراهن يعلنونها دينية صريحة! وتجرأوا على القدس بمعاونة "الإدارة الأمريكية" وفريقها، ثم هم يعلنون صراحة التجرؤ على "المسجد الأقصى"، وأنه لا وجود لهم إلا بـ"القدس"، ولا وجود للقدس إلا بـ"الهيكل"!

كما تساءل "ما الذي حدث ليعلنوها دينية صريحة بكل وقاحةٍ وتبجح؟! حتى إن الحاخام اليهودي الذي حضر احتفال عيد "الحانوكة" اليهودي في "البيت الأبيض" بحضور الرئيس الأمريكي -والذي أوقد "الشمعدان"،  في إشارة واضحة إلى علو اليهودية- قال: "إننا نأخذ حقوقنا مِن الدين، وليس مِن الدولة!"؟!".

وشدد "برهامي" على أنه ما تجرأوا علينا إلا بأسبابٍ، أهمها: طمأنينتهم مِن الضعف المتناهي للعمل الإسلامي في البلاد الإسلامية كُلِّها، وانتقال الصراع معهم إلى صراعٍ داخل المجتمعات نفسها، بفضل الحركات والجماعات المُوَجَّهَة مِن الأعداء، بعلمٍ أو بدون علمٍ منها، وصار بها العمل الإسلامي مُحَارَبًا مكروهًا مِن كثيرٍ مِن أبناء الأُمَّة، والصدام الحاصل بيْن الدُّوَل والأنظمة مِن جهةٍ، والحركاتِ المنتسبةِ للعمل الإسلامي مِن جهةٍ ثانية؛ بدلًا مِن المُحَافَظَة على تماسك الدولة والمجتمع؛ صار العدو الإستراتيجي لكلٍّ مِن الفريقين هو الفريق الآخر! مما كرَّس الانقسام الطائفي داخل المجتمعات، ومِن خلاله تتعرض الهوية الإسلامية والثوابت الإسلامية لمحاولات الهدم المستمرة.

وأكد أن كثيرٌ مِن "النخبة" صاروا لا يستحيون مِن إعلان عداوتهم لثوابت الدين في العقائد والأعمال والأخلاق؛ ابتداءً مِن قضايا التوحيد المختلفة، ومرورًا بالحجاب والأخلاق، وانتهاءً -وليس نهايةً- بمنزلة القدس والمسجد الأقصى -الذي يبشِّر البعض بهدمه عن قريبٍ بلا حياءٍ!، وبعد أن كانت "القومية" هي الراية المُعلَنة في الصراع "العربي "الإسرائيلي" تخافتْ ذلك إلى راية: "الوطنية"، ويظل المسلمون إلى يومنا هذا لا يرفعون راية "الإسلامية" في مواجهة مكر اليهود والصليبيين، ومع التَنَبُّهِ لقولِ الله -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى: 30)، وقوله -عز وجل-: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165).

وأضاف "برهامي": لا بد لنا أن ننظر إلى مشاكلنا الداخلية التي سلـَّط الله الأعداء علينا بسببها بهذه الطريقة، عَدْلًا منه وحكمة {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (فصلت: 46).

فمِن هذه المشاكل - البغي:

بغي القوي على الضعيف، وبغي الحكام على المحكومين، وبغي مَن يخالف الحُكَّام على مَن يقدرون عليه مِن أتباعهم، وبغي الأغنياء على الفقراء، وبغي المسئولين الإداريين حتى داخل حركات العمل الإسلامي، وليس في الدُّوَلِ فقط على بعضِهِم، وعلى من تَحتَهم، وعلى من خَالَفَهم! وبغي الجماعات بعضها على بعضٍ.

وتابع: إن الاستطالة على المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم صارت أمرًا مألوفًا في المشارق والمغارب، وصار التنافس على الدنيا والرياسة فيها، والوَجاهة والمال والجنس، وسائر الشهوات هو الصورة الحاكمة على جوانب حياة المسلمين! قال الله -عز وجل-: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (البقرة: 213)، وقال: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (الشورى: 14).

ونبه "برهامي" إلى أن الذي يؤدي إلى البغي: الكِبْرُ المُنافِي للتواضع، والتنافُسُ على الدنيا؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخُر أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" (رواه مسلم)، وقال: "مَا الفَقْرَ أَخْشَى عليكُمْ ولكنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدّنْيا عَلَيكُمْ كما بُسِطَتْ على مَنْ كانَ قبلَكُم؛ فَتَنافَسُوها كَما تَنافَسُوها، فتُهْلِكَكُمْ كما أهلَكَتْهُم" (متفق عليه). فإن التنافس في الدنيا -على رياستها ووجاهتها- مِن أعظم أسباب هلاكِ مَن هَلَك.

وحث على تَأَمُّلْ التاريخ، كيف كان قتل عثمان -رضي الله عنه- ظُلمًا وبَغْيًا، ومُنافَسَةً ممَن قتلوه على رياسةٍ أرادوها، وليسوا أهلًا لها! وما جَرَّهُ على الأُمَّةِ مِن الفتنة التي لم تُصِب الَّذِين ظَلَمُوا خَاصَّةً؛ بل عَمَّت الصالحين وغيرَهم، وتعَطَّلَت الفتوحات مُدَّةً، بسبب ما حدث مِن قتالٍ وفتنٍ، وذلك بسبب أهل الدنيا الذين أشعلوا نار البغي، ووقعت الحرب بيْن الفريقين، وكلاهما يحاول إطفاءها، فَقَدَّرَ اللهُ ومَا شَاءَ فَعَل.

كما حث "برهامي" على تَأَمُّلْ حال المسلمين قبْل سقوط "بغداد" في أيدي "التتار"؛ ذلك السقوط التاريخي الذي ما سُمِعَ في التاريخ بمذبحةٍ مِثْلِه، فإنه قُتِلَ فيه مع الخليفة وحاشيته على أقل التقديرات ثمانمائة ألف، وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف! (البداية والنهاية لابن كثير، 13/ 200). وكذلك تَأَمًّلْ حال المسلمين في هذه الفترة؛ فما حرَّكوا ساكنًا، بل ظَلَّ كُلُّ أميرٍ ومَلِكٍ مشغولًا بمُلْكِهِ ومَلَذَّاتِه وصراعاته، حتى الخليفةُ نفسُه -كما يذكر "ابن كثير"- أنه بينما كانت جاريةٌ تَرْقُصُ بيْن يديه إذ أصابها سَهْمٌ فَقَتَلَها! ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ! "التتار" على أبواب "بغداد"، والملوك مشغولون بدنياهم، ورقص الجواري بيْن أيديهم! حتى دُخِلَت عليهم البلاد؛ فَقُتِلُوا شَرَّ قِتْلَةٍ، وقد نَصَحَ الخَليفَةَ وُزَرَاءُ السوء بالخروج إلى "هولاكو" بالهدايا والتُّحَفِ، فَقَبِلَ صاغِرًا؛ فأُهِينَ أعظمَ إهانةٍ، حتى قُتِلَ -رحمه الله وغفر له، ولجميع المسلمين والمسلمات-.

وقال: كذلك مَن تَأَمَّلَ أحوالَ "ملوك الطوائف" في "الأندلس" قبْل سقوطها الذريع في أيدي الفرنجة، وما فعلوه بأهلها مِن الظلم والقتل، وانتهاك كل الحرمات، وأعظمها فتنتهم عن دينهم؛ رأى كيف كانت الصراعات بينهم، ومولاتهم النصارى على بعضهم بعضًا، مِن أعظم أسباب الانهيار!، مؤكدًا أن التنافس على الدنيا سبب البغي، والبغي سبب الاختلاف والفرقة، وهي سبب الضعف وذهاب الريح وتَسَلُّطِ الأعداء، ولا علاج لذلك إلا بإخلاص النية لله -سبحانه وتعالى-، والتنافس على الآخرة، كما أمَرَنا اللهُ -سبحانه وتعالى- فقال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (الصافات: 61)، وقال: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين: 26).

وأوضح "برهامي" أن التنافس على الآخرة لا يجلب حَسَدًا ولا حِقْدًا، ولا ضغائن ولا بَغْيًا؛ وإنما يثمر حُبًّا صادقًا، وتآلفًا وإخاءً، ووحدةً في الصَفِّ، وقُوَّةً أمام الأعداء، والحقيقة: أن كثيرًا مما يجري بيْن الاتجاهات الإسلامية المعاصرة مِن اختلافاتٍ مريرةٍ -على المناهج والأفكار، والأولويات، والأعمال- سببه البغي، وحب الرياسة وكثرة الأتباع؛ وإلا لما أثمرت هذه الثمار المُرَّة في التعاملات التي تجري بيْن هذه الاتجاهات وأفرادها!

وأشار إلى أن مِن أعظم أسباب العلاج وأهمها: أن نعلم حُرْمَة المسلم، وحرمة البغي والاستطالة عليه أيًّا مَن كان، ما دام قد بقي في دائرة الإسلام ولم يخرج منها إلى الكفر، بل في حقيقة الأمر لا يبغي المسلمون على الكفار المُعَاهَدين، بل ولا على الحربيين؛ وإنما يعاملونهم بشرع الله -عز وجل-، والبغي قد نهى الله عنه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (النحل: 90).

كما حث "برهامي" على التعامل بشرع الله مع مَن عامَلَنا به، ومَن لم يُعَامِلْنا؛ فما عاقَبْتَ مَن لم يَتَّقِ اللهَ فيك بمثل أن تتقي الله فيه! والحَذَرُ واجبٌ في تناول أحوال المُخَالِفِين مِن الوُقوعِ في الغِيبة باسم: "النصيحة!". ومِن تَلَمُّسِ العَثَرات والفَرَحِ بالسَّقَطَاتِ تحت شعار: "بيان الحق!". ومِن خديعة الشيطان بالتنافس على المنازل والرياسات الدنيوية تحت شعار: "الحرص على إمامة المُتَّقِين!".

وقال نائب رئيس الدعوة السلفية: والله إن النصيحة للمسلمين واجبة، وكشف الباطل وبيان الحق واجب، والحرص على إمامة المُتَّقِين مِن صفات عباد الرحمن -وإن لم تكن بالضرورة عن طريق الرياسة عليهم-؛ فكم مِن إمامٍ للمُتَّقِين وهو في زمرة المغمورين الخاملين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ" (رواه مسلم)، ولكن المشكلة الحقيقية في "النية والإخلاص"، والزهد الحقيقي في الدنيا، وترك البغي والاستعلاء.