إثيوبيا تنتهك سيادة الصومال للسيطرة على ميناء بربرة

  • 69
الفتح - آبي أحمد وموسى بيهي عبدي

يبدو أن آبي أحمد لن يكف عن مفاجآته وتحركاته المثيرة للريبة في منطقة القرن الإفريقي، بل في القارة السمراء كلها؛ فمنذ أيام قلائل فاجأ الجميع بتوقيعه اتفاقية مع أرض الصومال (صوماليلاند) –التي لم تعترف بها أي دولة حتى الآن- مقابل اعترافه بها؛ فقد وقّع مذكرة تفاهم مع موسى بيهي عبدي رئيس "أرض الصومال"، ينص على موافقة صوماليلاند على تأجير أكثر من 12 ميلًا من الوصول البحري في ميناء بربرة لمدة 50 عامًا للبحرية الإثيوبية، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلالها عن الصومال؛ وهي الخطوة التي قال عنها عبدي إنها تعد "سابقة كأول دولة تقدم الاعتراف الدولي لبلدنا".

وقال مستشار آبي أحمد للأمن القومي إن إثيوبيا ستعرض على أرض الصومال حصة غير محددة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة مقابل منحها حق الوصول إلى البحر الأحمر.

وعلى الجانب الآخر وقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قانونًا يلغي اتفاق إقليم ما يُعرف بـ"أرض الصومال" الذي يمنح إثيوبيا حق استغلال ميناء بربرة على البحر الأحمر تجاريًّا وعسكريًّا مقابل اعتراف أديس أبابا به دولةً مستقلةً. وكتب شيخ محمود على موقع (إكس) يوم السبت الماضي: "هذا المساء، وقعتُ قانونًا يلغي مذكرة التفاهم غير القانونية بين حكومة إثيوبيا وأرض الصومال"، و"هذا القانون دليل على التزامنا بصون وحدتنا وسيادتنا وسلامتنا الإقليمية وفقًا للقانون الدولي".


يأتي هذا الاتفاق بعد نحو 6 سنوات من اتفاق أولي بين الطرفين أُلغي لاحقًا، بعدما أثار إدانات من الصومال بخصوص السماح بوصول إثيوبيا البحري إلى البحر الأحمر، وبسببه ستزداد التوترات في منطقة القرن الإفريقي ما بين إثيوبيا وجيرانها؛ فبعد هذا الاتفاق ستستخدم أديس أبابا ميناء بربرة الواقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن، وستكون هناك مخاوف من جانب الدول العربية وعلى رأسها مصر، لا سيما في ضوء توتر العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا.

ثلاثة مخاطر

في هذا الصدد، قال الدكتور سيد غنيم، الخبير الاستراتيجي والعسكري، إنه يجب الوضع في الاعتبار أولًا أن هذا الاتفاق مخالف للقانون الدولي؛ لأن أرض الصومال التي تحاول الانفصال عن جمهورية الصومال الفيدرالية منذ عام ١٩٩١م غير معترف بها دوليًّا. كما أن إثيوبيا دولة ليست صديقة لمصر، ومعظم تحركات أديس أبابا تأتي في غير صالح القاهرة.

وأضاف غنيم عبر "فيسبوك": هناك ثلاث مخاطر رئيسية للاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال على مصر: في الظروف الحالية والعلاقات المتوترة بين أديس أبابا والقاهرة، فإن أي تحرك توسعي إثيوبي من شأنه أن يكسب إثيوبيا مقومات وعناصر قوة إضافية تمثل عامل إنذار للجانب المصري، وهناك تخوف من أن تتحول التحركات الإثيوبية من مجرد مسبب إنذار إلى تهديد مباشر للأمن القومي المصري، بل وتزيد من مخاطر التهديدات القائمة تجاهه بسبب السد الإثيوبي من جانب، والتوترات في البحر الأحمر من جانب آخر.

وتابع: الخطر الثاني أن هذا الوضع سيسمح مستقبلًا بوجود عسكري إثيوبي على خليج عدن؛ أي مدخل البحر الأحمر، وهو ما دأبت إثيوبيا على الإعداد له بإنشاء قوات بحرية تخدم فكرها التوسعي في المنطقة؛ الأمر الذي ينشئ مصالح ودورًا إثيوبيًا سيخل بالتوازن في المنطقة ويخلق لاعبًا مؤثرًا يزيد الأمور تعقيدًا. لافتًا إلى أن الخطر الثالث يتمثل في أن هذا الاتفاق يمنح إثيوبيا منفذًا بحريًّا مؤثرًا على الوضع في اليمن؛ مما يزيد من الامتدادات والآثار تجاهها؛ الأمر الذي يؤثر بشدة على الوضع في المياه الإقليمية الجنوبية بالشرق الأوسط.

ونوه بأن تاريخ إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي مليء بالصراعات والتعدي، فإثيوبيا دائمًا لها نزعات توسعية ومساعي هيمنة على محيطها الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي؛ والدليل ببساطة سيطرة إثيوبيا على إقليم أوجادين الصومالي، فضلًا عن محاولات استمرار فرض نفوذها في الصومال.

في حين يرى السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الإفريقية، أن إثيوبيا استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية إيجاد أربعة منافذ بحرية: أحدها عن طريق الصومال إلى المحيط الهادئ، والآخر عبر صومالي لاند، ومنفذ ثالث من خلال جيبوتي وخط السكك الحديدية الذي أنشأته الصين بينهما ويتم من خلاله مرور 80% من البضائع الإثيوبية، ورابع عن طريق كينيا في ميناء لامو.

وأضاف حليمة في تصريح خاص لـ "الفتح" أن إثيوبيا كانت تسعى لأن يكون لها منفذ جديد عن طريق بورتسودان في السودان، لكن الصراع الموجود داخله وتطورات الأمور هناك حالت دون الوصول إلى حيز التنفيذ، والوضع الإثيوبي الحالي لا يسمح بأن تخوض أديس أبابا صراعًا مع دولة مستقلة ذات سيادة مثل الصومال. 

آبي أحمد قال سابقًا "إن وجود بلاده مرتبط بالبحر الأحمر"، وقد كان لاستقلال إريتريا عام 1993م أثر كبير في السياسة الإثيوبية ونقطة تحول استراتيجية كبرى في خططها الإقليمية؛ ومن ثم لجأت للبحث عن بدائل متنوعة من الموانئ البحرية في دول الجوار كنوع من التعويض عن منفذها البحري الذي فقدته مع استقلال إريتريا عنها؛ وذلك للاعتماد عليها في الوصول إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي كي تضمن استمرار عبور التجارة من وإلى إثيوبيا؛ وبناء عليه تبنت فكرة دبلوماسية الموانئ البحرية كجزء من مشروعها الإقليمي الرامي إلى توحيد منطقة القرن الإفريقي باعتباره كتلة اقتصادية كبرى ومؤثرة.

الابلاغ عن خطأ