الصراع السوداني وفَّر بيئة خصبة للأخبار الزائفة.. ومختصون للفتح: الوضع من سيء إلى أسوأ

خبراء: الحرب أثرت سلبًا في البيئة الإعلامية الداخلية.. و"الدعم السريع" تفوقت إعلاميًّا على الجهاز الرسمي رغم جرائمها

  • 47
الفتح - أرشيفية

مع دخول الشهر العاشر للصراع السوداني المسلح بين الجيش السوداني ومليشيا "الدعم السريع"، ولا تزال حدته تتصاعد مع مرور الوقت؛ فكلما بدرت بادرة أمل للحل وُئدت في مهدها كأن هناك من لا يريد للصراع أن ينتهي، وسط أوضاع صحية واجتماعية وإنسانية مأساوية طالت كل المجالات التي تمس حيوات الأشقاء السودانيين.

وكان من تلك المجالات شديدة التماس مع الواقع السياسي المحيط هو الصحافة والإعلام، الذي تاثر أيما تأثر بذاك الصراع؛ فقد انقطعت الاتصالات في الكثير من المناطق داخل السودان الشقيق، وتعرض بعض الصحفيين والإعلاميين لاستهداف مليشيات "الدعم السريع"، واعتقلوا بعضهم، وحطموا معدات البعض الآخر، بل واستولوا على معدات بعض الجهات الإعلامية.


الخرطوم شرارةُ الانطلاق

في هذا الصدد، قال أشرف إبراهيم، رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السودانية: بخصوص البيئة والظروف الإعلامية في الداخل السوداني الآن، إن الحرب الحالية داخل السودان أثرت سلبًا وبشدة في الصحافة ووسائل الإعلام؛ لأن مقرات المؤسسات الإعلامية (الصحف، والفضائيات، والإذاعات، في القطاعين العام والخاص كلها موجودة بالعاصمة الخرطوم، ومعلوم أن العاصمة كانت مكان انطلاق شرارة الحرب، والمعارك مستمرة فيها بعنف حتى الآن؛ وقد تدمرت تبعًا لذلك البنية التحتية لمؤسسات الإعلام، وبنية الاتصال، ودخلت على خط المعركة، معركة من جانب آخر وهي معركة إعلامية داعمة لهذا الطرف أو ذاك، ونجد الكثير من الأخبار والمعلومات الزائفة في الفضاء الإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي لا سيما من جانب الإعلام الموالي  للمليشيا المتمردة "الدعم السريع".

وأضاف إبراهيم في تصريح خاص لـ"الفتح" أن الصحفيين والإعلاميين تعرضوا لتضييق كبير، واعتُقل بعضهم، ومنعوا من مزاولة عملهم لنقل الحقائق والانتهاكات التي تحدث على الأرض، ومعظم المضايقات تكون من جانب المليشيا المتمردة.

وأردف: يوجد تواصل بين الإعلاميين في غرب السودان وفي كل أنحاء السودان عبر الهواتف وتطبيقات التواصل الاجتماعي، لكن الاتصالات متقطعة بسبب رداءة الشبكات في أوقات كثيرة. وقد نزح عدد كبير من الصحفيين الموجودين بغرب السودان إلى شمال وشرق البلاد حيث الأمان في مناطق سيطرة القوات المسلحة.

وتابع أن استهداف الإعلام سببه واضح وهو منع عكس الحقائق للرأي العام المحلي والخارجي، وهناك شواهد على  تحطيم الكاميرات ومنع التصوير، ولا يزال بعض الإعلاميين معتقلين من طرف قوات "الدعم السريع" المتمردة، وبعضهم أُطلق سراحه، حتى مراسلي القنوات الأجنبية العاملة في السودان اضطروا لمغادرة الخرطوم إلى مناطق سيطرة القوات المسلحة أو إلى خارج السودان.

ولفت إلى أنه توجد صعوبات جمة تكتنف العمل الصحفي في هذا الوقت، لكن الزملاء الصحافيين يجتهدون في التغلب عليها والسعي للحصول على المعلومات رغم الصعوبات والمخاطر، وفي الغالب يُعتمد على الاتصالات والاستعانة بالمواطن وشهود العيان للأحداث، إضافة إلى الاستفادة من توثيق الأحداث عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، ويُعتمد بشكل أساسي على العمل "أون لاين" في مواقع الصحف الإلكترونية بعد توقف الصحف الورقية تمامًا، وتوقف العديد من القنوات الفضائية؛ حيث تعمل فضائية السودان الرسمية فقط من شرق السودان.

الإعلام سلاحٌ استراتيجي

في حين، يرى عمار العركي، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، أن الإعلام من أهم الأسلحة الاستراتيجية التي رجحت كفة "الدعم السريع"؛ لذلك كان الاهتمام به وإعداده وتجهيزه سابق للحرب بفترة طويلة، حيث عملت بعض الأطراف الخارجية على شراء وتحييد كل المنصات الإعلامية المحلية، والإعلاميين والصحفيين والناشطين المؤثرين في المجتمع السوداني، إضافة إلى إنشاء المنصات الرقمية الإعلامية الذكية الموجهة في أمريكا وبريطانيا وكينيا و... إلخ، مع الاهتمام بالتدريب والتأهيل وسط القوات وكوادر الجناح السياسي المساند "قحت".

وأضاف العركي في تصريح خاص لـ"الفتح" أن هذا المشروع الإعلامي الإعدادي الضخم الذي صُرفت عليه ملايين الدولارات، انطلق خلال فترة حكومة حمدوك، يقابله إعلامي رسمي وحربي متواضع وتقليدي وغير مهيئ للحرب التي فأجات الجميع؛ وبناء على ذلك نجح إعلام "الدعم السريع" في صناعة الأخبار والرسائل الإعلامية الزائفة المضخمة والموجهة، وجرى استخدامها للتعويض والتغطية على خسائر الحرب العسكرية من جهة، ومن جهة أخرى شن الحرب النفسية والمعنوية التي تفوق فيها "الدعم السريع" على إعلام القوات المسلحة. 

وتابع: أن هذه الحرب ألقت بظلالها السلبية على كل القطاعات، ليس قطاع الصحفيين والإعلاميين فقط، وإن كانوا هم الأكثر تضررًا وتضييقًا باعتبارهم الجهة وحلقة الوصل الوحيدة التي تعكس حقيقة الأوضاع على الأرض؛ وبالتالي كان لعدم الاستقرار والنزوح من وإلى مختلف المناطق، وانعدام المعينات والأدوات، وانهيار البنية التحتية الإعلامية، إضافة إلى الملاحقات والاعتقال والأسر بسبب الحرب؛ بناء على ذلك تأثر الاتصال والتواصل بين الصحفيين والإعلاميين فيما بينهم في المناطق الملتهبة أو التي تحت سيطرة "الدعم السريع"، مع عدم وجود أية مساعٍ أو إجراءات لمعالجة هذه الوضعية.

واستكمل قائلا: إذا كان مستقبل السودان نفسه على شفا جرف هار، ويشي بتفتيت وتمزيق السودان، فما بالنا بمستقبل صحافته؟! نسأل الله السلامة والستر للشعب السوداني وكل الأمة العربية.

دائمًا ما يتعلق الواقع الصحفي والإعلامي بالواقع السياسي والبيئة السياسية المحيطة؛ فهو مجال شديد التماس مع التجاذبات السياسية؛ ومن هذا المنطلق تعرض الوسط الإعلامي للتضييق في السودان نتيجة للصراع المسلح بين أبنائه؛ وبناء على ذلك صَعُبَ التواصل في بعض المناطق، وامتنع في البعض الآخر، ومع استمرار هذا الصراع المسلح تزداد العراقيل أمام الصحفيين والإعلاميين.