تقوى الله والدعاء.. أحمد فريد يوضح الأسباب التي يرجى بها تفريج الشدة

  • 23
الفتح _ الدكتور أحمد فريد مستشار إدارة الدعوة السلفية

قال الدكتور أحمد فريد مستشار إدارة الدعوة السلفية: إذا كان الله -عز وجل- قد وعد بالفرج بعد الشدة، وباليسر مع العسر، وبعده، فلا يتنافى ذلك مع الأخذ بالأسباب التي نرجو بها تعجيل اليسر بعد العسر، والفرج بعد الشدة، فالله -عز وجل- يقول: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (الذاريات:22)، ومع ذلك نأخذ بأسباب الرزق، وكذلك أسباب الرحمة التي نرجو بها دخول الجنة، بل قال الله -عز وجل-: "وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا" (هود:6)، ومع ذلك قال -تعالى-: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (الملك:15).


أضاف"فريد" في مقال له بعنوان "الأسباب التي ترجى بها تعجيل الفرج بعد الشدة" نشرته جريدة الفتح، فمن الأسباب التي يُرجى بها تعجيل الفرج بعد الشدة، والخير العاجل والآجل في الدنيا والآخرة، من حيث يحتسب العبد، ومن حيث لا يحتسب.


الأسباب التي يُرجى بها تعجيل الفرج بعد الشدة

-تقوى الله -عز وجل

قال -تعالى-: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطلاق:2-3].

قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: ومَن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه يجعل له مِن أمره مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي مِن جهة لا تخطر بباله"، وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إن أجمع آية في القرآن: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" [النحل:90]، وإن أكبر آية في القرآن فرجًا: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا". وعن علي بن طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)، يقول: ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة"، فتقوى الله -عز وجل- سبب لتيسير الأمور، وترك التقوى سبب لتعسيرها، كما قال بعض السلف: "إني لأعصي الله، فأجد ذلك في خلق دابتي وامرأتي".


-التعرف إلى الله في الرخاء.

كما في حديث ابن عباس مرفوعًا: "تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" (رواه أحمد، وصححه الألباني)، قال ابن رجب -رحمه الله-: "وليس المراد بالمعرفة: المعرفة العامة التي هي الإقرار والتصديق والإيمان، وإنما المراد: المعرفة الخاصة التي تقتضي ميل القلب إلى الله -عز وجل- والانقطاع إليه، والأنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له. قال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس -عليه السلام- كان يذكر الله -تعالى-، فلما وقع في بطن الحوت، قال الله -تعالى-: "فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" [الصافات:143-144].

قال رجل لأبي الدرداء: "أوصني". فقال: "اذكر الله في السراء، يذكرك الله في الضراء".


- الدعاء مع الاضطرار

قال الله -تعالى-: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" [النمل:62],قال القاسمي -رحمه الله-: ""أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ"، وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر، إلى اللجأ والتضرع إلى الله -تعالى-"، وقال ابن كثير -رحمه الله-: "ينبِّه -تعالى-: أنه المدعو عند الشدائد، الموجود عند النوازل، كما قال: "وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ" [الإسراء:67]، وقال -تعالى-: "ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ" [النحل:53]، وهكذا قال ههنا: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ"، أي: مَن هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه.


- كثرة الاستغفار، وكثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكثرة الاستغاثة بالله -عز وجل

 أما كثرة الاستغفار؛ فلأن البلاء لا ينزل إلا بذنبٍ، وعلاج الذنوب الاستغفار، قال بعض السلف: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار"؛ لذلك قوله -عز وجل-: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا" [نوح:10-12].


وأما كثرة الصلاة على النبي -ﷺ-، وكيف أنها سبب من أسباب زوال الضيق والهم، فعن زيد بن طلحة التيمي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيْكَ صَلَاةً إِلَّا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا". فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْعَلُ نِصْفَ دُعَائِي لَكَ؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتَ) قَالَ: أَلَا أَجْعَلُ ثُلُثَيْ دُعَائِي لَكَ؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتَ) قَالَ: أَلَا أَجْعَلُ دُعَائِي لَكَ كُلَّهُ؟ قَالَ: (إِذَنْ يَكْفِيكَ اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا، وَهَمَّ الْآخِرَةِ) (أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال الألباني: صحيح مرسل).


-التوسل إلى الله -عز وجل- بالعمل الصالح

قال الألباني -رحمه الله-: "وهذا توسل جيد وجميل، قد شرعه الله -تعالى- وارتضاه"، ثم ذكر أدلة مشروعيته إلى أن قال: "ومن ذلك: ما تضمنته قصة أصحاب الغار، كما يرويها لنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا، وَلاَ مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ)، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا)، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ) (متفق عليه).


دعا هؤلاء الثلاثة ربهم -سبحانه- بهذه الأعمال الصالحة أي صلاح، والمواقف الكريمة أي كرم، معلنين أنهم فعلوها ابتغاء رضوان الله -تعالى- وحده، لم يريدوا بها دنيا قريبة، أو مصلحة عاجلة، أو جاهًا أو مالًا، ورجوا الله -جل شأنه- أن يفرج عنهم ضائقتهم، ويخلصهم من محنتهم؛ فاستجاب -سبحانه- دعاءهم، وكشف كربهم، وكان عند حسن ظنهم به، فخرق لهم العادات وأكرمهم بتلك الكرامة الظاهرة، فأزاح الصخرة بالتدريج على مراحل ثلاث".


- التوكل على الله

وهو صدق اعتماد القلب على الله -عز وجل- في استجلاب المصالح، ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة، وقد جعل الله لكل عملٍ مِن أعمال البر جزاءً معلومًا، وجعل نفسه جزاء المتوكل عليه وكفايته، فقال: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)، وقال: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" [النساء:69]، ثم قال في التوكل: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق:3]، وقد أخبر الله -عز وجل- كيف كان التوكل سببًا للنجاة من الشدائد، كما قال -تعالى-: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّه" (آل عمران:173-174)، ومن تمام المتوكل على الله -عز وجل- اليأس من المخلوقين، واعتقاد أنهم لا يملكون له ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، بل هم أقل وأذل من ذلك، ولله -عز وجل- وحده الخلق والأمر.