المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الغرب (2)

مكانة المرأة في الإسلام

  • 52

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي أواخر القرن السادس عشر، ووسط هذا الظلام المخيم على المرأة، أشرقت شمس الإسلام وانطلقت من جزيرة العرب في مكة؛ نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم يضع الميزان الحق لكرامة المرأة ويعطيها حقوقها كاملة غير منقوصة، ويرفع عن كاهلها أوزار الظلم والإهانة التي لحقت بها عبر التاريخ وعلى مر العصور، ويعلن إنسانيَّتها الكاملة، وأهليَّتها التامة، وحقوقها وكرامتها.

بعد أن كانت المرأة قبل الإسلام لا وزن لها ولا كيان ولا حقوق؛ يحتقرونها ويظلمونها أشد الظلم، ويهينون كرامتها وشخصيتها، ويجعلونها ضمن الأشياء التابعة للرجل، بل هي عرضه للبيع والشراء.

- جاء الإسلام فرفع عن المرأة كل هذا الظلم، وشرع لها من الحقوق ما لم تحصل عليه في حياتها في غير الإسلام، وكرَّمها أمًّا وزوجه وبنتًا، ومن خلال هذه النقاط نرى ما هو شأن المرأة في الإسلام، وكيف أن الإسلام كرم المرأة وشرفها:

1- إنسانية المرأة وأنها مثل الرجل في أصل الخلقة فهما من أصل واحد:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: 1)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما النِّساءُ شَقَائِقُ الرِّجَال) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

2- المرأة مثل الرجل في اعتبار أن كلًّا منهما هبهٌ من الله:

قال تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى: 49، 50).

وقدَّم الإناث جبرًا لهن.

3- المرأة مثل الرجل في المطالبة بتحقيق العبودية لله عز وجل وعمارة هذا الكون:

قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: ٥٦).

4- المرأة مثل الرجل في أغلب التكاليف الشرعية، إلا في حالات مخصوصة خفَّفَ الله فيها عن المرأة رحمةً بها ومراعاةً لطبيعتها وتكوينها، مثل: إسقاط الصلاة عنها وهي حائض أو نفساء:

قال تعالى -والخطاب للرجال والنساء-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور: ٣٠، ٣١)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ) (الحجرات: ١١)، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71).

5- المرأة مثل الرجل في الجزاء الأخروي:

قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء: 124)، وقال عز وجل: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران: ١٩٥)، وقال: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 35).

6- تبرئة المرأة من التهم التي ألصقت بها في الأديان المحرفة:

فخروج آدم وحواء من الجنة ليس بسبب حواء فقط، بل أخبرنا الله عز وجل في كتابه أن كلاهما عصى وأن كلاهما تاب؛ قال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (الأعراف: 36).

7- تحرير المرأة من ظلم الجاهلية:

ومن هذا الظلم: الضيق بها عند ولادَتِهَا والحزن والغم والكراهية لها، قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل: 58)، فأنكر الله عليهم هذه العادة الجاهلية، وحرَّمَ وأدها: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير: 8).

ونهى أن توَّرث المرأة وأن تُجعل كالمتاع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) (النساء: ١٩)، فكانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجُها، كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره؛ إن شاء نكحها وإن شاء عَضَلَها فمنعها من الزواج حتى تموت فيرثها أو تفتدي منه بفدية.

وحرم الإسلام على الابن أن ينكح زوجة أبيه بعد وفاة زوجها: قال تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) (النساء: 22).

وحرم الجمع بين المرأة وأختها: قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) (سورة النساء: 23)

وجاء في السُّنة النبوية تحريم الجمع بين المرأة وعمَّتِها وبين المرأة وخَالتِها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري ومسلم: "نَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُجْمع بيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وبيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا".

8- المرأة قسيمة الرجل في الحقوق المدنية: حق الملكية، حق التصرف، حق الاتجار في مالِها الخاص؛ فلها حرية التصرف في كل هذه الأمور كالرجل تمامًا، وكذلك في الحقوق الاجتماعية: فحماها الإسلام من القتل والعنف؛ قال ابن المنذر في الإجماع: "أجمعوا على أن القصاص بين المرأة والرجل في النفس"، وقال البخاري: "باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات".

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من رد حقوق المرأة واستعادة كرامتها وإنسانيتها، بل أمر الإسلام بتكريم المرأة ورفع شأنها.

وللحديث بقية إن شاء الله.