عاجل

عجائب الأقدار

أمل السلاحجي

  • 17
الفتح - عجائب الأقدار

جلست بحلتها الجديدة تستقبل التهاني والتبريكات وقلبها يتقافز فرحًا ورضا، فاليوم زفاف ابنها الوحيد على عروسه التي أصر أن تنتقيها هي له، فلم يجد مثل عينيها تعرف ما يحب، ولا مثل قلبها ليختار له ما يسكن إليه. 

تنظر لأعين الناس حولها وقد ملأتها الغبطة، فلم يروا ابنًا أبر منه، كما لم يروا أمًا أحن منها.
لا يعلم أكثر من حولها أن قصتهما بدأت بحزن وكره، تستعيدها الآن فتتعجب لحماقتها وقلة عقلها أمام تدابير القدر وما فيه من رحمات! 
كانت أول الأحزان عندما أخبرتها الطبيبة باستحالة حملها وعجز رحمها أن يحمل ابنًا لزوجها الطيب المحب، لم يكن حزنها لفوات حلم الأمومة بقدر ما كان حزنًا على زوجها -الأب بالفطرة' أن يعيش بلا أطفال أو أن يبحث عن غيرها ليحقق حلمه.
لكن زوجها العطوف أزال قلقها سريعًا بحسن استقباله الخبر وبشاشته ورضاه وظل على ذلك أعوامًا لم تر في لمحة من لمحاته إحساسًا بالنقص أو قلة رضا. 
حتى جاء يومًا -رأته وقتها أتعس أيامها- حين أخبرها زوجها فجأة أنه سيتزوج بأخرى!! 
نزل الخبر على قلبها كالصاعقة، لكنها لم تستطع الاعتراض لعلمها بعيبها، وكتمت حزنها في صدرها حتى كاد أن يقتلها وهي ترى زوجها الحبيب يسير في إجراءات زواجه مسرعًا بشكل عجيب!! 
مرت ليلة زواجه على قلبها كمرور حافلة على ورقة شجر زابلة.. اجتاحتها فيها الهواجس وتفرد بها الشيطان تتهم القدر تارة والشريعة التي أباحت التعدد تارة أخرى، ثم تفيق وتستعيذ، وتستغفر، ثم ما تلبث أمواج الحزن أن تغمرها ثانية في بحار الاضطراب.. 
مرت شهور قليلة حملت فيها الزوجة الثانية ورأت في عين زوجها فرحة جديدة آلمت صدرها لكن استمرار عطفه وحنانه عليها جعلها عاجزة عن أن تتمنى له غير الخير. 
جاء الطفل للدنيا ورحلت والدته في نفس اليوم!! 
كانت صدمة لها ولزوجها بالفعل، أحزنتها بشكل لم تكن تتصوره.. لكن الصدمة التالية جاءت حينما وضع زوجها الطفل في حجرها لترعاه فليس له من يرعاه الآن لا سيما ووالدته الراحلة ليس لديها أخوات .. 
قطعة لحم حمراء بعينين بريئتين تنشدان العناية والحب، لم تستطع إلا أن تمنحهما له وبشدة، لعل تلك الفرحة كانت لها هي.. 
ولأن الدنيا لا تستقر لأحد على حال توفي زوجها فجأة أيضاً بعد شهور من وفاة زوجته، كانت قصمة ظهر لها وأوشك قلبها أن يغرق في بحار الحزن.. لكن نظرات الصغير الذي أصبح يتيم الأبوين الآن انتشلتها من تلك الأمواج لتؤدي رسالتها وتحافظ على نفسها من أجله.. 
بذرة زوجها الحبيب وقطعة منه منحتها أجمل وأسعد أيامها التي يئست في فترة ما أن تدركها.. ضحكاته مصدر بهجتها، خطواته دقات قلبها، كلمة «أمي» من فمه الصغير طارت معها حتى جاورت السحاب!! 
وقتها الذي ربما كان يمر بالساعات بطيئًا لا تجد من يهاتفها أصبح مزدحمًا بأعباء الأمومة والدراسة عادت تشعر بتوتر الامتحانات وحلاوة النجاح، تستيقظ مبكرًا وتنام مبكرا من أجله وقد أرهق جسدها الجري خلفه وتنظيف فوضاه،لكن قلبها يبات سعيدًا راضيًا مترحمًا على أنفس أهدتها فرحة أيامها.. 
واليوم يوم تزفه لعروسه وتسمع الدعوات له بالذرية ولها بالأحفاد!! تتعجب من أن ما ظنته شرًا أثمر لها الخير والرحمة ،فيلهج لسانها بحمد الله على فضله وقدره وشرعه الحكيم.

الابلاغ عن خطأ