الحوار الوطني والدستور

  • 190

في ضوء ما لم يحسمه مشروع تعديل دستور 2012، بعد انتهاء لجنة الخمسين من تعديلاتها، ورفعها إلى رئيس الجمهورية في الموعد المحدد، طبقًا لما هو وارد في الإعلان الدستوري المُشكل لها، جاءت دعوة رئيس الجمهورية المؤقت، المستشار عدلي منصور؛ لإطلاق حوار وطني، تشارك فيه القوى السياسية، والمجتمعية كافة؛ من أجل التوصل إلى تفاهمات، وتوافقات، حول قضيتين، هما: إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً أم البرلمانية، وتحديد النظام الانتخابي الذي ستجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة وفقًا له.

ولا شك أن التفاعل مع هذه الدعوة سواء بالقبول، أو الرفض، يستوجب تسجيل ثلاثة ملاحظات مهمة:

أولاً- مع تفهمنا الكامل لحرص رئيس الجمهورية، أن يكون رسم مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو نتاجًا لتوافقات بين الأطراف التي شاركت في نجاح هذه الثورة، إلا أن ما يلفت الانتباه في هذه الدعوة هو توقيتها، فكما نعلم جميعًا أن لجنة الخمسين المُشكلة لتعديل دستور 2012 كانت تعبيرًا عن جميع أطياف المجتمع، وممثلة لكل الأطراف التي شاركت في الثلاثين من يونيو.

ومن ثم، ففشل اللجنة في حسم هاتين القضيتين، كان يستوجب التفكير في آلية أخرى لحسمهما، فغني عن القول، إن مواقف الأطراف التي سبق وأن أعلنتها في جلسات اللجنة واجتماعاتها، ستتكرر في جلسات هذا الحوار، بمعنى أن كل طرف سيظل متمسكًا بموقفه ورؤيته.

صحيح أن هذا الرأي يحمل في طياته جزءًا من المصادرة على مستقبل هذا الحوار، إلا أنه من الصحيح أيضًا، أن السوابق تؤكد على ذلك. ولذا، فالسرعة المطلوبة لحسم هذه القضايا كانت تتطلب البحث عن وسائل أخرى، ومن المقترحات في هذا الشأن أن تقوم رئاسة الجمهورية بتشكيل لجنة مصغرة من الخبراء، والمتخصصين، وليس شرطًا من رجال القانون فحسب، على ألا يتجاوز عددها تسعة أشخاص، تقوم بمراجعة مضابط اجتماعات اللجان النوعية المُشكلة في إطار لجنة الخمسين، وتحديدًا لجنة نظام الحكم، وكذلك مضابط جلسات لجنة الخمسين سواء السرية، أو العلنية؛ للوقوف على منطلقات ومبررات كل طرف، وفي ضوء الواقع المصري بخبرات الماضي وتحولات الحاضر، تحسم هذه اللجنة القضيتين.

لا شك أن هذا الاقتراح يتسق ومقتضيات اللحظة الراهنة من جانب، ويضمن عدم  تكرار مواقف وأطروحات الأطراف ذاتها، التي سبق أن عبرت عن وجهة نظرها في هذا الخصوص من جانب آخر.

ثانيًا- في ظل ما أصبح واقعًا بدعوة الرئيس للقوى السياسية للبدء في حوار وطني، فإنه من المهم أن تدرك الأطراف كافة أن حسم القضايا الوطنية، وخاصة الحساسة منها عن طريق عقد جلسات للحوار الوطني، أمر يتفق وطبيعة المجتمعات الديمقراطية، التي تُفسح المجال لمشاركة الجميع في تحديد خياراتها.

ولكن، على الجميع سواء من دعا للحوار، أو من قبله، أو رفضه أن يدرك أيضًا صعوبة اللحظة التي تقف فيها مصر اليوم، وهو ما يعنى أنه على الجميع  أن يكون عند مستوى الحدث، وقادر على التفاعل معه دون تباطؤ أو تأخير؛ مراعاةً لظروف الشعب وأوضاعه الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، وتجنبًا لحالة الإحباط واليأس، التي أصابت المجتمع المصري، من فشل نخبته السياسية والحزبية في حواراتها الوطنية كافة، سواء تلك التي عُقدت في عهد المجلس العسكري، أو في عهد النظام السابق، في التوصل إلى أية تفاهمات، أو توافقات تُخرج البلد من حالة الاستقطاب، التي يعيشها المجتمع، وهو ما أفقده ثقته في نخبته. 

ثالثًا- يترتب على ما سبق، أن تدرك الأطراف المشاركة في هذا الحوار أن مخرجات جلساته لابد أن يحكمها أمرين: الأول، أن تعكس حالة من التوافق النسبي على ما يتم التوصل إليه، بمعنى أن يُدرك الجميع أن الموافقة على كل ما يطرحه، لا يعنى أننا إزاء حوار وطني بل إزاء فرض إرادات، وهذا غير مقبول. فالحوار يعني أن يقدم كل طرف تنازلات تُعلى من المصلحة الوطنية، على حساب المصالح الفئوية أو الحزبية الضيقة.

أما الأمر الثاني، أن تدرك الأطراف أيضًا أن ما يتم التوصل إليه ليس هو نهاية المطاف، بل هو بداية الطريق نحو استكمال خارطة الطريق؛ الرامية إلى بناء الدولة العصرية التي يحلم بها الشعب المصري، وضحى من أجلها في ثورتين، وهو ما يجعلنا نكرر مرة أخرى، أن الأهم هو استعداد الجميع للمشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، شريطة أن تكون المشاركة على أسس وطنية، وفي إطار امتلاك برامج حقيقية للإصلاح والتطوير، وليس مجرد شعارات تُرفع؛ من أجل حصد الأصوات، وسرعان ما تختفي مع وصول المرشح إلى المقعد البرلماني أو الرئاسي.

خلاصة القول، إن الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى القوى السياسية؛ للمشاركة في حوار وطني، تعني أن هناك اختلافات في الرؤى، وتباينات في الأفكار والأولويات, وأن الوصول إلى تفاهمات بشأن هذه الاختلافات والتباينات؛ يتطلب توافر عقليات جديدة تتحرر من أسر الماضي ومشكلاته، وتفكر بمنطق الحاضر ومقتضياته, وتستشرف المستقبل على أسس راسخة.