عاجل

وماذا بعد أن اختلف التجار؟

  • 169

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد -
نعلم يقينًا أن الإسلام رغَّب في العمل ورهَّب من التكاسل ومن أن يكون الرجل عالة على غيره ينتظر من ينفق عليه وفي الحديث "أفضل الكسب بيع مبرور".وفي الحديث" التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين"،فلابد للإنسان أن يأكل من عمل يده ومن الكسب الحلال،والتجارة تحتاج إلى مهارة وذكاء وفطنة حتى يستطيع التاجر أن يربح من تجارته، فالتجارة لها قواعد وأصول ولها ضوابط شرعية حددها الشارع وذلك حفاظًا على المجتمع ونشرًا للعدل فيه ودفعًا للظلم الذي من المحتمل أن يتكبده التاجر أو بعض أفراد المجتمع، ولابد للتاجر أن يكون على دراية بضوابط الشرع في البيع والشراء حتى لا يقع في بعض النواهي والمحرمات، ولابد للتاجر كذلك أن يحسن قراءة الواقع وأن يتحلى بعمق الفهم والنظرة الشمولية في تجارته،وأن يتمتع كذلك برصيد كافٍ من رأس المال والخبرة معًا، وأن يدرك المتغيرات من حوله كالحالة الاقتصادية وحالة العملاء والزبائن ومواسم الرواج التجاري ونحو ذلك، وكذلك الداعية الذي يدعو إلى الله تعالى فهو تاجر ومعه بضاعة يريد أن يبيعها ويربح من خلفها، وربح الداعية وأجره عند الله تعالى، دخل عثمان رضي الله عنه الإسلام بعد الثلاثين، فحوله الإسلام من تاجر يسعى وراء الربح، إلى رجل يتاجر مع الله، عندما آثر أن يوزع قافلته التجارية على الفقراء، ردًا على مزايدات التجار الذين قالوا له: نعطيك ضعف ثمنها ربحًا.قال عثمان: عندي من يدفع أكثر.قالوا نعطيك ضعفين.قال: عندي من يدفع أكثر.ثم قال: لقد وزعتها في سبيل الله. عثمان رضي الله عنه الذي حمل الذهب في حجره، ويصبه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فيقلب النبي  صلى الله علىه وسلم  الذهب بيده، وينظر إلى الجيش الذي ينتظر المال، انتظار الظمآن للماء. ثم يقول النبي  صلى الله علىه وسلم  ما يضر عثمان ما عمل بعد اليوم، وكان ذلك في غزوة تبوك، وأكثر الناس يعرفون كيف يتاجرون في الدنيا، وكيف يحصلون الأموال من الحلال أو من الحرام، ولكن القليل منهم من يعرف كيف يتاجر مع الله عز وجل، وكيف يربح مع الله عز وجل أعظم الربح. قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) وكما أن للتجارة في الدنيا قواعدَ وضوابطَ وأصولًا، فالتجارة مع الله كذلك لها قواعد وضوابط وأصول .
 
لنتخيل أن مجموعة كبيرة من التجار يعملون ويتاجرون ويبيعون ويشترون في إحدى الأسواق الكبيرة المعروفة، ذاك السوق له ضوابطه في العمل وله قانونه الذي يضبط العمل فيه، وله إدارة مسئولة عنه وعن تنظيم العمل بداخله وتنظيم العلاقة بين التجار والعملاء والزبائن، وفي يوم من الأيام حدث خلاف شديد بين إدارة السوق وبين التجار في أمر من الأمور، واشتد الخلاف بينهما، وهنا انقسم التجار إلى فريقين،
 
الفريق الأول يرى أنه لابد من التريث والتروي والموضوعية في معالجة الأمر، والفريق الثانى يرى أنه لابد من الوقوف بكل حزم وحسم أمام الإدارة،ثم احتدم الخلاف وبلغ ذروته وهنا قرر الفريق الثانى أن يقوم بحرق السوق بأكمله نكاية في الإدارة وأن يدمره ولا يذر فيه أخضرًا ولا يابسًا، وبهذا نتخلص من الإدارة الغاشمة ونبدأ نحن مرحلة جديدة في السوق، فقال أصحاب الفريق الأول، ما هذا؟ ماذا تقولون؟ كيف تقومون بحرق السوق وتدميره؟  نحن الخاسرون، نحن التجار، لابد أن نكون نحن أحرص الناس على بقاء السوق، بضاعتنا ستبور، سمعتنا ستنهار.
 
فانظر إلى البون الشاسع بين الفريقين، ففكرة الفريق الثانى مؤداها الدمار الشامل بكل صوره وأنواعه، وهذا يرجع إلى جهلهم وقلة خبرتهم وإلى فكرهم العقيم ومنهجهم المنحرف في التغيير،وللأسف هكذا نرى بعض التيارات والكيانات اليوم تعيش دور الفريق الثانى من التجار،بسبب خلافهم مع الإدارة والقيادة يريدون تدمير البلاد بأسرها، ويسعون في الأرض فسادًا،مع وجود وقوع الظلم من القيادة، لكن ليس هكذا تورد الإبل وتعالج المشاكل والمعضلات ويرفع الظلم، فأنا أنادي أولئك الذين صاروا في طريق تجار الحرق والتدمير وأسألهم، أين الأخلاق والمبادئ والضوابط الشرعية؟ أين الارتقاء بالفكر من أجل الترويج لبضاعتك ؟ وما الداعية إلا تاجر يتاجر مع الله بنشر بضاعته ودعوته بين الناس، أين الاستقراء الدقيق الجيد للواقع؟أين تضافر الجهود من أجل المحافظة على رأس المال الدعوي؟ أين عمق الفهم الذي لابد وأن يتحلى به الداعية؟ بل أين ومضات الإصلاح في منهجك؟ أين الثراء الفكريالذي تدعيه؟ أين الوعي والرصيد الثقافي عندك؟ فأنا أقول لمثل هؤلاء أنتم لم تبلغوا بعد، أعنى لم تبلغوا مرحلة الرشد الفكري والدعوي والسياسي، فلابد لنا جميعًا أن نتخيل حال الفريق الأول لو أتيحت له الفرصة وخاض الحوار مع الإدارة والقيادة في السوق، ثم لنتخيل أيضًا كيف يكون الحال لو قام الفريق الثانى بحرق السوق وتدميره؟ولابد لكل من يطالع ويشاهد المعركة من الإدارة والعملاء والزبائن أن يقفوا ويساندوا الفريق الأول، وأن تُذلل له الصعاب وأن تُهيأ له الظروف وأن يُعطى الفرصة الكاملة حتى نحافظ جميعًا على رأس مالنا، وعلى بضاعتنا، ومن ثمَّ على بلادنا ومجتمعنا، فلو تركنا الفريق الأول وما يريد لهلكوا وهلكنا جميعًا ولو أخذنا على أيديهم لنجوا ونجونا جميعا، وفي النهاية لعلي أكون قد وُفقت من الله تعالى في تقريب المعاني التي أريد أن أوصلها إلى الأطراف المعنية والله المستعان.