• الرئيسية
  • مقالات
  • متلازمة الإسلام والجمل عند الصحفيين من أين جاء الوهم؟! ومن يملك العلاج؟‍!

متلازمة الإسلام والجمل عند الصحفيين من أين جاء الوهم؟! ومن يملك العلاج؟‍!

  • 152

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

في أواخر 2010  كتب الصحفي سليمان جودة في جريدة المصري اليوم مقالا انتقد فيه دعاء السفر على طائرات مصر للطيران، وناشد الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني حينئذ الذي بالغ في الثناء على جهوده وإنجازاته وتطويره، إلا أنه ناشده أن تمتد يد تطويره البيضاء لتقتلع هذا الدعاء وتضع بدلا منه دعاء يشجع على التفاؤل، ولكن القدر لم يمهل الفريق شفيق ليقرأ الرسالة فضلا عن أن يستجيب لها؛ فقد اندلعت ثورة يناير ورقي الفريق شفيق إلى رئيس وزراء، ثم خرج من الوزارة إلى غير ذلك من الأحداث التي يعلمها الجميع.

والآن وبعد مرور أربعة أعوام بالتمام والكمال خرج علينا الدكتور وحيد عبد المجيد ليكرر نفس المقالة كأن صحفيي مصر لا يشغلهم إلا اجتثاث هذا الدعاء من طائرات مصر؛ لأنه فيما يبدو هو الطريق الوحيد نحو الديموقراطية والحرية، وهو السبيل الأوحد لإصلاح منظومة التعليم وتحسين مستوى الصحة، و... إلخ، ولا يحق لك إن كنت مسافرا أن تجد من يذكرك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أن تستعمل معهم نفس حجتهم على الأقل في أنه لا ينبغى أن ينشغلوا بهذه الأمور الشكلية، وليركزوا في الجوهر، والمسافر على خطوط مصر للطيران إن كان ولابد أن يتحفنا بمقالة بعد رجوعه فلا بأس أن يحدثنا عن انضباط المواعيد، وعن الخدمات الطبية على الطائرة، وعن كذا وكذا...

إذن فليس أمامك إلا أن تدخل في ساحة المناقشة الجادة لهذه المعضلة التي لم تخفف من وطأتها الأحداث الجسام التي مرت بها مصر والنظامان اللذان سقطا والدماء والأشلاء ولا يبقى إلا أزمة دعاء السفر.

وقد تضمنت أفكار الدكتور وحيد عبد المجيد ذات أفكار الأستاذ سليمان جودة وزيادة ومن ثم فسوف انقل لكم نص المقال الذي كتبته في الرد على سليمان جودة حينئذ ولكن بعد أن أناقش الفكرتين اللتين زادهما الدكتور وحيد وهما؛

-        أن هذا الدعاء هو جزء من حزمة التجارة بالدين التي انتشرت في السبعينيات.

-        أن هذا الدعاء يجعله يشعر أنه يركب جملا لا طائرة.

أما الأولى فثمة مغالطة كبيرة يصر التيار المدني الذي ينادي بالإرادة الشعبية أن يحتقر الإرادة الشعبية في مرحلة السبيعينات وما بعدها والمستمرة إلى الآن، وأن يصفوها تارة بأنها كانت متاجرة من السلطة، وتارة متاجرة التيارات الدينية، ولا يذكرون  لنا مَن الذي تاجر على مَن؟! ومَن الذي ربح مِن مَن؟!
في مثالنا هذا هل تاجرت مصر للطيران؟! حسنا يبقى السؤال على مَن تاجرت؟! تاجرت على الركاب مثلا؟ فماذا نستنتج هذا في الواقع أن كل الأسئلة والأجوبة سوف تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي أن الشعب كان وما زال يريد زيادة مساحة التدين في حياته (بالطبع توجد مشكلات اجتماعية متجذرة لا تتفق مع الدين ولكن هذا لا ينفي التوجه العام في اتجاه التدين على الأقل ما لم توجد عوائق).


إن آفة التيار المدني بشقيه اليساري والليبرالي وقد تنقَّل الدكتور وحيد بينهما أنهم لا يريدون الاعتراف بالواقع مع أن هذا الاعتراف لا يلزمهم طبعا باعتبار هذا الواقع هوالصواب كما هوالحال مع الإسلاميين تمامًا

ونحن نرى أن الواقع يقول إن الشعب المصري محب للدين وأن التيار المدني لا بد أن يعترف بهذا بدلا من الصراخ المتكرر من  تجارة الدين التى يرمون بها الإسلاميين والأنظمة الحاكمة من أيام الملكية ومرورا بعبد الناصر والسادات بل ومبارك فضلا عن محمد مرسى بالطبع

أما القضية التي تحتاج إلى علاج جذري وندعو جميع هؤلاء أوعلى رأسهم الدكتور وحيد إلى مراجعة مواقفهم من دينهم الذي دانوا له بأنفسهم فلماذا إذن تقفز في ذهنهم (الجمال) كلما ذكرت لهم الإسلام؟ وإلا فهذا الذكر هومحض ذكر لله وتوكل عليه واستعاذة به من أنواع المخاوف التي  هي في ركوب الطائرة أضعاف أمثالها في ركوب الجمال (أرجو ألا يعتبر بعض المتحذلقين المتنورين أن هذه دعوة للعودة لركوب الجمال كما هي عادتهم في توهم أن كل من يدعو إلى التطبيق الشامل للإسلام فليس هذا إلا لرغبة دفينة عنده في العودة إلى الجمال) أرجو أن يراجع الدكتور وحيد وغيره موقفهم من هذه القضية
نعم نزل القرآن في عصر الجمال ولكنَّ الله قال "ويخلق ما لا تعلمون"
نعم نزل الإسلام في عصر الجمال ولكن ما فيه من أخلاق وأدب ومنها ذكر الله يصلح في عصر الجمال وفي عصر الطائرات بل إن بعضها بل إن الاستعاذة الواردة في السفر أليق بعصر الطائرات منها بعصر الجمال كما بينت في الرد على سليمان جودة

نعم نزل الإسلام في عصر الجمال لكن أحكامه صالحة لعصر السيارات والطائرات  قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دواب الشياطين التي تسع الثلاثة والأربعة ويركبها الراكب منفردًا وهي لا تكاد تنطبق إلا على السيارات وفيه الدعوة إلى أن يحمل صاحب السيارة زملاءه معه الذين يشاركونه نفس الطريق وإلا لحقه الذم وصارت (دابته) وكأنها دابة للشيطان يفوت على صاحبها فرصة طيبة (للتكافل الاجتماعي) 

نتمنى أن يدرس جميع هؤلاء الباحثين هذه القضية بإنصاف وتجرد حينئذ سوف يكتشفون أن متلازمة (الإسلام والجمل)  وهْم زرعه المستشرقون وتوارثه الكثير من الدارسين.

وأما باقي النقاط التي أثارها الدكتور وحيد فقد تناولتها في الرد على الأستاذ سليمان جودة قبل أربع سنوات وإليك هذا الرد كاملا
دعاء السفر المأثور .. والصحفي المذعور !!

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإذا كنتَ مسافرًا بالطائرة فسوف تجد حولك حالة مِن الخوف، والقلق، والاضطراب خلفتها التجارب السابقة؛ فكل المسافرين مشتبه فيهم!
لابد من مرور الحقائب على أجهزة كشف "المفرقعات" حتى حقائب اليد الأنيقة التي لا يشي منظرها بأي نوايا عدوانية لابد وأن تمر على هذا الجهاز!

ثم لابد أيضًا من الكشف على الأسلحة البيضاء، ولا تندهش إذا عرفتَ أنه يدخل في تعريف الأسلحة البيضاء "آلة تقليم الأظافر"؛ فكم استُخدِمت مثل هذه الأدوات في أعمال اختطاف لطائرات!

ولابد من مراعاة الوزن؛ فالطائرة ليست مركبة أرضية إذا حملتها وزنًا زائدًا تباطأت حركتها فحسب، بل إن الأمر يمكن أن يؤدي إلى سقوط في بحر أومفازة لا يُعرف لها مدخل من مخرج.

ولابد من الكشف الهندسي على الطائرة مع كل رحلة، وكم من طائرة عطلت رحلتها من أجل استبدال أجزاء كانت تطير بها للتوفي رحلتها السابقة.

ولابد في ذات الوقت من الكشف عن الحالة الصحية والذهنية والنفسية لطاقم الطائرة.

ثم يصعد الركاب إلى الطائرة وقد أثقلتهم الإجراءات، وشوش ذهنهم بكثرة الأخطار.

ومع كل هذه الاحتياطات فما زالت المفاجآت ممكنة مِن عاصفة جوية مفاجئة، أومرض مفاجئ يصيب قائد الطائرة أوعمل معاد إلى غير ذلك..

ومن ثمَّ فتنص لوائح هيئة الطيران المدني العالمية على وجوب إعطاء محاضرة في كل رحلة عن كيفية مواجهة الطوارئ؛ فتأتي المضيفة لتشرح للركاب أماكن سترات النجاة، وكيف يرتدونها إذا حدث للطائرة مكروه؟

وكيف الحال إذا اضطروا إلى القفز من الطائرة، وهي على ارتفاع كذا ألف قدم؟

وكيف الحال إذا كانت الحادثة فوق الماء؟

وكيف الحال إذا كانت فوق الجبال أوالغابات أوالصحاري؟!

وكيف.. وكيف.. ؟

يُلقى كل هذا على الراكب المشغول الذهن أصلاً بأهل قد خلَّـفهم، وبرحلة يستقبلها فتجتمع على قلبه هموم، وتملأ قلبه خواطر وأفكار.

وهذا كله فرع على أن الإنسان جاهل عاجز لا يعلم كثيرًا من الواقع فضلاً عن الغيب، فربما كان على متن الطائرة من يريد بها السوء وهولا يدري، وربما قصَّر الفنيون في مراجعة أحوالها الفنية، وربما.. وربما..

وربما هاجت الريح أوثارت عاصفة ترابية أوغيرها من الأمور القدرية، ثم إذا علم ووجدت الريح، أوهاجت العاصفة؛ فإنه يعجز عن السيطرة على الكون أوالتحكم فيه، وما يملكه من ذلك أقل بكثير مما لا يملك.

يعجز إذا وجد اضطرابًا في بطنه أن يمنع القيء الذي إذا حدث أذاه وأذى من بجواره فكان المنظر كئيبًا له، ولمن حوله.

فماذا يفعل الناس في مواجهة هذه الخواطر والمخاوف؟!

هناك من يحاول أن يتشاغل بشاغل آخر مما حل أوحرم: كالنوم، أوقراءة المجلات، أوسماع الأغاني والموسيقى، وربما شرب بعضهم الخمر -والعياذ بالله-!

وهؤلاء الذين يفرون من معالجة القلق في موقف تلو آخر، لا يفرون منه في الحقيقة، بل تجتمع المواقف على قلوبهم حتى تأتي عليها؛ فيصير مريضًا بالقلق حتى وإن لم يكن هناك ما يقلق.

وهناك من يرتدي شيئًا حقيرًا في يده أوفي عنقه يُسمى بالحظاظة "قطعة من الجلد أوالمعدن"؛ فيهرع إليها يطيل إليها النظر ويتحسسها بيده متأملاً فيها تأمل الشارد، فيبقى في شروده ظانًا أن هذا الشيء قد نفعه، وإنما سكنه كفعل شارب الخمر تمامًا، بل أسوأ فإن مثل هذا الرجل يصير عبدًا لتلك الحظاظة الحقيرة حتى إذا فقدها ربما يقتل نفسه أويعيش حياته، وهوإلى الموت أقرب منه إلى الحياة.

وأما أهل الإيمان:

فيعرفون أنهم فقراء، ولكنهم يعبدون الغني الحميد.

ويعرفون أنهم ضعفاء، ولكنهم يلجئون إلى القوي المتين.

ويعرفون أنهم جهلاء، ولكنهم يتوكلون على العليم الخبير.

أهل الإيمان لا سيما من يتبع منهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقدِموا على سفرهم إلا بعد الاستخارة.

أهل الإيمان تخلصوا من جزء كبير من القلق على أهليهم حينما استودعوهم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه.

أهل الإيمان استبشروا لما استعانوا بالله عند خروجهم من منزلهم، واستعاذوا به أيضًا من شر أنفسهم، ومِن شر غيرهم.

ولكن ماذا بعد ما أتوا المطار، ومثلت أمام أعينهم عشرات الأخطار، وسمعوا محاضرات عن احتمالات سقوط الطائرة، واحتمال تعرضها لكذا.. وكذا.. لا شك أنهم في حاجة إلى تجديد التوكل على الله تعالى والثقة به، وتفويض الأمر إليه.

ولكنهم قبل هذا رأوا هذه المركبات العظيمة وكيف هدى الله الخلق إليها وما فيها من نعم، وهذه الكراسي الوثيرة وما فيها من رفه؛ فليبدؤوا بالشكر، ثم بالاستعاذة من المخوفات، ثم ليتوكلوا على الله تعالى.

والشكر في دعاء ركوب الدابة المشروع سفرًا وحضرًا، والاستعاذة من هذه المخوفات يزاد في السفر؛ فأما دعاء ركوب الدابة المأثور عنه صلى الله عليه وسلم فقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (رواه أبوداود والترمذي، وصححه الألباني).

وأما دعاء السفر فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِعَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ) (رواه مسلم)، هذا في سفر الذهاب، وأما سفر العودة فيزيد فيه: (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ).

وقد أحسنت شركة "مصر للطيران" بإذاعة تسجيل صوتي لهذا الدعاء؛ تذكيرًا للركاب به، والركاب فيهم: الصالح والطالح، والعالم بهذه الأدعية  والجاهل بها، ولكن في هذا المشهد الذي تجتمع فيه على الإنسان هذه الهموم يجد أن هذا الدعاء هوالبلسم الشافي؛ لتبديد كل هذه الهموم فترى الركاب جميعًا يهمهمون بهذا الدعاء، وكأنك في مسجد أوفي حلقة ذكر، بل تجد أن كثيرًا من الركاب يزيد على هذا بالتكبير كلما علت الطائرة، والتسبيح إذا نزلت كما جاءت بذلك السنة.

وهذه الطائرات يركبها أيضًا من الكفار مَن يركب، ونحن على يقين أن من يفهم منهم هذا الدعاء وما فيه من معان جامعة وكأنها لم تقال إلا في شأن أخطار الطيران مع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم سنها لأمته يوم كان السفر على الدواب، وكان غاية ما فيها من خطر أن ترمي صاحبها فتقلته، وهو أمر لا يكاد يقع.

ثم إذا نظر في الأديان الأخرى وخلوها مِن الذكر المأثور عن الأنبياء حيث ضيع هؤلاء سنن الأنبياء، وانشغلوا بنسج الأساطير حولهم! إلا أن منهم من يعرض عن التأمل في هذا الأمر، ومنهم: من يتأمل ويمصمص الشفاه؛ فقد عقد عزم قلبه على ألا يفارق دين الآباء والأجداد مهما كان الثمن!

ويتصور أن يحاول بعضهم منع إذاعة هذا الدعاء حقدًا وتغيظًا على المسلمين.

ويتصور أن يستأجر من يفعل ذلك نيابة عنه ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.

هذا.. وقد قام صحفي يعمل في جريدة مشبوهة، ويرأس تحرير جريدة أشد شبهة بتوجيه نقد إلى شركة الطيران؛ لأنها اختارت هذه الآية: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف:13-14)، مع ما فيها من قوله تعالى: (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ)، و"هوأمر لا يجمل أن يواجه به المسافر" في زعمه!

"كما أنه استنكر أن يختار من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء الذي فيه وعثاء السفر، وكآبة المنظر حتى يواجه به المسافر في أول جلوسه على كرسي الطائرة".

ثم لما نوقش.. قال: "إنه ينبغي أن يراعي أن الطائرة يركبها غير المسلمين"!
هذا حاصل كلامه.. "فض فوه".

ونحن بعد المقدمة السابقة نعلق عليه في نقاط محددة نجملها فيما يلي:

1- دأب العالمانيون على أنهم إذا أرادوا أن ينتقدوا شيئًا من دين الله نسبوه إلى أحد الناس على أنه فهم فلان للدين، ثم انبروا يعلمون ذلك الغير صحيح الدين على حد فهمهم.

وهكذا فعل هذا الصحفي هنا؛ فادَّعى أن اختيار الآية والدعاء كان من فعل شركة الطيران، ومِن ثمَّ فالنقد موجه لهم لا إلى الآية، ولا إلى الدعاء النبوي، والكاتب مخير هنا بين احتمالين أحلاهما مر:

إما أن يعترف أنه جاهل جهلاً مطبقًا للكتاب والسنة؛ حيث يعرف القاصي والداني أن هذا الدعاء هو الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، وليس دعاء مطلقًا وظفته "مصر للطيران" في غير مناسبته، كما ادَّعى ذلك الصحفي!

وأخطر من هذا أن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدعاء لركوب الدابة لم يكن إلا امتثالا لأمر الله تعالى في القرآن: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف:13).

فإذن فالكاتب لا يعرف شيئًا عن الأذكار النبوية، وأظن أن هذا ليس بجديد عليه؛ كما أنه كمن لم يقرأ القرآن من قبل، أوعلى الأقل لم يكلف نفسه أن يراجع الآية من المصحف فضلاً عن مراجعة تفسيرها قبل أن يُسوِّد ما سَوَّد.

وإما أن يعترف أنه قال ذلك نفاقًا وزندقة، وطعنًا في الدين، ولكنه جبن عن التصريح بالطعن في الدين؛ فنسب الأمر إلى شركة الطيران.

2- ثم لو حاولنا أن نفترض الاحتمال الأخف، وهوأنه ظن أن هذه الأدعية مطلقة وظفتها مصر للطيران في هذا السياق باجتهاد منها؛ فإن هذا يدعونا إلى التشكك في عقل الرجل، فإنك لوعلـَّمتَ طفلاً صغيرًا دعاء يستعيذ فيه بالله من وعثاء السفر "أي تعبه"، ثم سألته: متى سوف تقول هذا الدعاء يا "حبيبي".. ؟

فسوف يجيب على الفور: "عندما أكون مسافرًا إن شاء الله"، ولا تتصور إجابة غير هذا.
لكن رئيس التحرير هذا كان له رأي آخر.. !

3- وهذا ما يجعلنا نتشكك في كل حرف قاله؛ لا سيما أنه في غالب الظن لم تكن هذه أول رحلة له على خطوط مصر للطيران، ولا شك أنه سمع هذا الدعاء على خطوطها قبل هذا، وربما يكون ردده، وربما يكون قد انشغل في مشاهدة صور الفنانات في الجرائد التي يعمل بها، ولكنه على كل حال لم يستنكر على مصر للطيران فعلها.. فلماذا قفزت هذه الأغلوطة إلى عقله النير فجأة، وهويستعد للقفز على كرسي رئاسة تحرير جريدة هاجم رئيس تحريرها السابق الإسلام أيضًا، ولكن أسياده غضبوا عليه فجأة لما بالغ في مطالبه المالية، وأرادوا أن يعلموه أن الحظيرة فيها من لا يقلون عنه زندقة، ولكن يرضون بأقل مما يطلبه من "علف"!

4- ومما يؤكد هذا أن يعلل ذلك الرجل الأمر في النهاية بأن خطوط مصر للطيران يركبها الكفار، ولا ينبغي أن نعرض ذلك عليهم! ونحن قد نتفهم أن هناك من المأجورين من يريد منع أي مظهر إسلامي في بلاد 95% من سكانه مسلمين بزعم مراعاة المواطنة التي لا تراعى إلا على حساب الإسلام، ولكن العجب هنا أن الرجل يريد فقط استبدال هذه الأذكار بأخرى قد اقترحها، وكأنه يريد أن يدفع عن نفسه تهمة معاداة الإسلام أم أنه أخبث من هذا وهو يريد أن يفتح باب نقد الآيات والأحاديث؟!

ونحن نقول له: إذا كنتَ قد ركبت الطائرة مع أحد الكفار فاستشكل هذا الدعاء، ولم تملك جوابًا.. فكان يجب أن ترد الأمر إلى عالمه، ولن نقول لك أن تسألنا نحن، ولكن: اسأل الأزهر الذي ما فتئتم تزعمون أنكم تتبعونه، ولا تتبعون المتشددين! وكنتَ ستجد عند علماء الأزهر بفضل الله شرحًا وافيًا لما غمض عليك أوعلى "صاحبك" أو"سيدك".

5- وفي النهاية.. نجيبك على ما أثرت من شبهات سواء كنت أنتَ صاحبها أم كنت أنت مصحوبًا لصاحبها:

فأما ما زعمتَ من أن الذكر النبوي يُدخل على نفس المسافر تشاؤمًا: فكلام لا يصدر من رجل سافر ولو مشيًا على قدميه، فضلاً أن يكون قد سافر بالطائرة ومر بتلك الإجراءات التي وصفنا شيئًا منها، ومثلت أمام عينيه كلمات المفرقعات والمتفجرات، والاختطاف، والسقوط والاحتراق؛ فالأخطار ماثلة، والحديث يسن للمؤمن أن "يستعيذ" بالله منها، وأخطار السفر تكون ماثلة بطبيعة الحال في ذهن كل مسافر؛ لا سيما سفر الطائرة حيث تلقى على أسماعه كلما حل أو رحل.

وأما إذا زعمت أن الاستعاذة هي التي أصابتك بالتشاؤم دون أخبار المخاطر؛ فنظن أنك في هذه الحالة قد تكون في حاجة للعرض على "قومسيون" طبي!

6- وأما زعمك أن الآية تذكر بالانقلاب إلى الله، وهوأمر يصيب المسافر بالتشاؤم، فبعد أن عرفتَ أن هذا الدعاء قد أمر به القرآن عند ركوب الدابة خاصة، وأن اختياره لهذا الموطن لم يكن اختيارًا من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فضلاً أن يكون اختيارًا من شركة الطيران.. فماذا أنت فاعل؟!

إذن يجب عليك أن تعلم إن كنتَ مسلمًا أن استمرار ذكر المسلم للدار الآخرة هو الذي ينفعه عند الله؛ حتى لا يستدرجه الشيطان فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، وكل الدنيا عرض زائل حتى رئاسة الدنيا بأسرها، وليس فقط رئاسة تحرير صحيفة ساقطة فيها!

والآية تأمر بشكر نعمة الفلك والأنعام، ثم تُذكِّر الخلق أنهم منقلبون إلى الله؛ لتنظر كل نفس ما قدمت حتى يرغب الناس في عدم الزهد بهذا الشكر، ومع ذلك: (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) (الإسراء:89)!

وهذا لأن هذا الذكر هو لركوب الدابة بصفة عامة في الحضر والسفر، وأما في السفر فالحكمة فيه أظهر، حيث يشبه السفر الحسي السفر إلى الله من وجوه كثيرة، وحيث يحتاج المسافر إلى الله زادًا كما يحتاج المسافر السفر الحسي زادًا، وزاد سفر الآخرة التقوى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة:197).

كما أن أخطار السفر وما يوجد فيه من احتمالات انقلاب إلى الله تستدعي توبة وكتابة وصية بالديون واستئذان الوالدين، واستئذان المدين من دائنه، وأحكام فقهية لا نظن أن الكاتب يدري عنها شيئًا.

وإذا كان الكاتب يصيبه الذعر من ذكر الموت فيحتاج إلى أن يسأل نفسه: هل لأنه خرب آخرته من أجل دينه؟ أم لأنه لا يقرأ القرآن الذي هو من أوله إلى آخره تذكير بيوم الدين، كما قال تعالى في الفاتحة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)؟!

في الواقع.. نحن نتعامل مع كاتب مذعور من الموت.. وهذه مشكلته لابد أن يعالجها! مذعور من أن يذكره أحد بوعثاء السفر، وكأنه يسافر بلا ألم مادي أومعنوي!

ولكنه يبدو أنه قبل هذا كان مذعورًا من أن يطير منه كرسي رئاسة تحرير الجريدة المشبوهة كما طار من أستاذه من قبله.

ومِن ثمَّ فلا مانع عنده أن يطعن في دين الأمة كلما كان هذا الطعن يساوي زيادة في راتبه، وتثبيتًا في كرسيه الذي سيأتي اليوم الذي يُركل مِن عليه كما ركل أستاذه، أوينقلب إلى الله وهوعليه؛ فيسأله عما كان يفعل.
فهل تدركه رحمة الله قبلها فيتوب أم ينقلب إلى الله بشر وجه وبشر عمل؟!
فليختر لنفسه.. و(كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:21).