رسالة إلى شيوخ الإخوان وشبابهم ورسالة إلى الدولة

  • 183

أثار مقال د. محمود غزلان –فيما يظهر- عاصفة بين شباب الإخوان الرافض لمبدأ السلمية وعدم التكفير الذي دعا إليه د. غزلان وشيوخهم الذين استحضروا موقف الأستاذ الهضيبي ومَن معه في سجون عبد الناصر في الستينيات، حين ظهر فكر التكفير كفصيل ضمن عبارة الفكر القطبي الذي تعاطف معه أو توافق جزءيًّا حين ذاك، فكان الرد الحاسم مِن المرشد وعامة شيوخ الجماعة برفض فكر التكفير بكل درجاته، رغم فداحة ما صنعه عبد الناصر بالإخوان، ورغم الجرأة على ثوابت الدين خلال موجة الانجراف نحو اليسار والرفاق الروس الذين كانت تهمهم إذ ذاك القضية الفكرية ونشر الاشتراكية، وذكَّر د.غزلان بتهديدات المرشد الهضيبي بالفصل من الجماعة لمن يصر على الفكر المتطرف وتنفيذ ذلك بالفعل، وكما خرجت الأصوات الرافضة التي بدأت مؤدبة ثم تحولت إلى سوء الأدب -كما هو الآن تمامًا- أصوات الشباب التي تقدر الشيوخ وتعترض تمامًا على موقفهم وتتهمهم اتهامًا مغلفًا بالخيانة وتضييع الدين وتضييع الجهاد، والذل والخنوع للباطل وهي طرق معروفة -معروفة نهايتها إن لم تكن هي الآن قد وصلت إلى هذه النهاية- التكفير والعنف والصدام مع المجتمع وليس فقط الدولة؛ فالمجتمع المتعاطف ضد فكرهم التكفيري الصدامي هو إما عبد الطاغوت وإما هو على أحسن الأحوال من الطبقة المتميعة المتوقف فيها والتي لا مانع من التضحية بها في سبيل تحقيق الأهداف التي يجزم كل عاقل يعرف الحسابات أنها لا تتحقق لا بالسنن الشرعية ولا الكونية.

وأحب أن أوجه رسالة إلى شيوخ هذا الفصيل الكبير داخل المجتمع المصري والمحسوب داخليًّا وخارجيًّا على العمل الإسلامي:-
 
1- واجبكم ومسئوليتكم أن تصبروا على ما تعلنونه، وأن تكونوا صادقين فيه عن عقيدة رافضة للتكفير بكل درجاته، وكذا التوقف والتبين والطبقة المتميعة مهما وجدتم رفضًا مِن شبابكم، فعليكم البذرة وعليكم سقيها حتى تنمو؛ لأنكم الذين سمحتم بالبذرة الخبيثة أن تنمو، وسمحتم بالخطاب المنحرف أن يتصدر قبل رابعة وبعدها -رغم النصيحة- حتى ولو اتهموكم بأبشع التهم التي من أشدها لديكم أنكم صرتم مثل حزب النور.
 
2- لا بد من التأصيل العلمي الشرعي للموقف الجديد؛ فهو الذي يغير في الحقيقة كما فعل الأستاذ الهضيبي في "دعاة لا قضاة" فإن نشر العلم بنصوص الكتاب والسنة وكلام أهل العلم من أهل السنة -وليس الكلام العاطفي الجاهل- هو الكفيل برد الشباب عن غيِّهم، وهو الذي يحقق الثقة بتغيير الموقف، وليس مجرد الإعلان أن هذا كان هو الموقف السابق -فإنه بالقطع لم يكن كذلك، وادعاء أن قيادة الجماعة ليست هي التي وجهت نحو العنف والتكفير في الخطاب قبل رابعة وبعدها وإلى الآن من خلال الفضائيات والأدبيات على صفحات التواصل وغيرها- لن يقبله أحد وسيحمله الجميع على أنه تمثيلية أعقبت الفشل.
 
3- لا بد أن تعلموا أنه لا يجوز ترك قيادة العمل الإسلامي فكريًّا وتوجيهيًّا لمجموعة من الجهال المتحمسين بالباطل باسم تقديم الشباب، فالشباب يقدمون بعد تحصيل العلم المطلوب ويصدرون في العمل على قضبان الطريق الحق لأهل السنة والجماعة وليس بعيدًا عنه، والحفاظ الحقيقي على الجماعة ليس بمجاملة الشباب؛ لأن منهم مَن سينقلب ويخرج ويهدد بالانفصال بل وينفصل بالفعل، بل هو مِن الزبد الذي يذهب جفاءً، ولا بد من إخراج الخبث مِن وسط الصف، بل مقاومته بالدليل والفكر والصدق وليس بالمواقف الإعلامية.
 
أما شباب الإخوان فأقول لهم:
1- إن الجهاد الذي أعلنه الشيخ حسن البنا ليس ضد مجتمعاتكم ولا دولكم ولا جيشكم وشرطتكم مهما كان من ظلم وعدوان؛ فهم لم يكفروا بعد، وقتالكم ضدهم فساد عريض في صالح الأعداء الذين يجب جهادهم بالفعل، وأيضًا بالضوابط الشرعية، وليس بالشعارات والحماسات التي تضر الأمة كلها وفي العالم كله، واعتبروا بحال داعش والقاعدة الذين رفضتم سبيلهم مِن قبل.
 
2- ليس من السنن الشرعية مصادمة السنن الكونية وإهمال موازين القوى وعدم اعتبار مآلات الأمور والمصالح والمفاسد، وتذكروا أن الخضر عاب السفينة لإنقاذها، وتذكروا أن الفقهاء الذين خرجوا مع ابن الأشعث قد ندموا على خروجهم على الحجاج -مع أنه قتل نحوًا من أربعة آلاف ضعف مَن قُتِلوا في محنة بلادنا الأخيرة- ومع ذلك استقر الأمر لعبد الملك الذي استعمل القوة بهذه القسوة، وأقر الصحابة الأمر لمنع مزيد الظلم والجور والفساد.
 
3- لا شك أن المتكلمين عن الجهاد وحتمية تسليح الثورة يتكلمون من خارج البلاد ولا يدركون حقائق الأمور في الشارع المصري -حقيقة ومجازًا- وغائب عنهم تمامًا استحالة السير في هذا الطريق وأنه لا يمكننا ذلك؛ لأنه سيكون على أشلاء الجماعة ومن يعاضدها، كما أن المعادلة الصفرية لو تحققت وهميًّا لصالح مَن يرون هدم الدولة فسيكون ذلك على أشلاء وطن وأشلاء مجتمع وأشلاء دعوة وجماعة، ولا يرضي الله ولا رسوله ذلك، والأقرب بلا شك، بل أقول: المقطوع به بالسنن الكونية والشرعية أن المعادلة الصفرية لو تحققت فلن تكون في صالحكم، وستحصلون أنتم على الصفر، نسأل الله أن يسلمكم ويسلم المسلمين من ذلك، فأدركوا الأمر، وارجعوا إلى الحق، ولا تستنكفوا من الاعتراف بالخطأ في الحسابات والتقديرات بعد الخطأ في العلم الشرعي.
 
وإلى الدولة وقياداتها أقول:
1- لا بد أن نشجع التوجه الجديد داخل الجماعة، ولا يصح أن تصروا على المعادلة الصفرية مِن طرفكم؛ فإن الضرر على البلاد غير محتمل بالسير في هذا الطريق، فإنه مستلزم لتجاوزات هي سبب لهدم الدول، واتقوا دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
 
2- قد لا تكون هناك ثقة بالكلام المطروح، ولكن يلزم أن نقبل الظاهر، ولا يعني ذلك ترك الحذر، ولكن لا بد أن نساعد على التوجه الصحيح؛ فإنه سيفرض نفسه على الشباب والشيوخ معًا مع ضغط الواقع.
 
3- قد يكون البعض رافضًا لذلك معللًا بأنه قد ارتكبت جرائم لا بد مِن المحاسبة عليها، فنقول: من ثبتت عليه جرائم بالبينات لا بالظن وبالاعتراف بلا إكراه ولا تعذيب فليحاسب وليعاقب على ما فعل، دون من لم يثبت أنه فعله فلا يقبل أن تكون صورة شاب يسير في مظاهرة أو كلمة كتبها على صفحته دليلًا كافيًا لتلفيق سبع عشرة تهمة تكون عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد دون بينات على ذلك، وعلى المؤسسة القضائية أن تراعي المصلحة العامة وسمعة البلاد في الخارج في تطبيق القانون في مساحة هي متروكة قانونًا لتقدير القاضي وقناعته وضميره، فلا ينبغي أن نختار الأشد مع إمكان اختيار الأهون، ولأن نخطئ في العفو خيرٌ مِن أن نخطئ في العقوبة.
 
4- لا بد أن يوضع على أول سلم الأولويات معالجة الوضع القائم في السجون والأقسام وحقوق الإنسان، وسرعة التصنيف والفصل بين الاتجاهات المختلفة، ولا نترك من لا ينتمون إلى أفكار منحرفة يقعون فريسة سهلة لها في ظروف حادة لا تحتملها نفوس أكثر الناس، فيُدفعون دفعًا إلى الكفر بكل شيء -الوطن والبلد والمجتمع فضلًا عن الدولة والنظام-، وتأكدوا أن كل واحد من هؤلاء له دائرة مِن المتعاطفين مِن الأقارب والأصدقاء والزملاء، كلما ازدادت دائرة السخط خسرت البلاد، ولا يلزم أن تكون نسبة الساخطين عالية، بل تكفي أعداد لإشعال الأزمات وتعطيل المسيرة.

يا ربنا، سلِّم بلادنا وبلاد المسلمين مِن كل سوء.