مدرسةُ رمضان

  • 139

شهر الصيام، هو مدرسة وفرصة لتهذيب النّفس والأخلاق وتعويدها على المكارم وعلى الإحسان والبر، وعلى الخير والتعاون، وفي شهر رمضان عبادة الصوم، التي تعوّد الإنسان أن ينضبط في وقت فطره، وفي وقت سحوره، ويُعلمه أن الوقت وأن الدقيقة وأن اللحظة وأن غروب الشمس وأن الشروق أمر غاية في الأهمية.
 
وأمر الأوقات ضائع في حياة الناس، لكنه ينضبط تمامًا في شهر رمضان؛ لا يفطرون إلا مع الآذان، وينتهون من السحور إذا أذن المؤذن.
 
شهر رمضان فرصة لحصول البركة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة"، شهر رمضان فرصة لتحصيل الخيرية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور".
 
شهر رمضان هو شهر الصوم، "إلا الصوم فإنه لي أنا أجزي به" والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، كذلك في شهر رمضان يتعود الإنسان النفقة والبر والبذل والجود والكرم، وحديث النبي عليه الصلاة والسلام: "من فطر صائمًا كان له مثل أجره"، وكذلك في شهر رمضان حديث ابن عباس كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أجود الناس، وكان أجود ما يكون حين ينزل إليه جبريل يدارسه القرآن، وذلك في كل ليلة"، كان -صلى الله عليه وسلم- أجود من الريح المرسلة"، كثرة جوده -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان في رمضان يلقى الصالحين -والتي تعين النفس على فعل الخير- فقد كان يلقى جبريل، وكذلك تدبر القرآن.
 
في شهر رمضان يتعوّد الإنسان فيه الذكر، ويتعود الإنسان فيه الاستغفار، فتأتي الأسحار ونحن في وقت السحور، وقت النزول الإلهي: "يا عبادي هلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟".
 
هذه المعاني ينبغي على الإنسان أن يحرص عليها، ورمضان فرصة للدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، ختمت آيات الصيام بآية الدعاء، وختم اليوم بالدعاء "للصائم حتى يفطر" وفي رواية "عند فطره"، وهذا من المكارم والمغانم التي ينبغي للعبد أن يحرص عليها وهو في شهر رمضان.
 
كذلك شهر رمضان هو فرصة وغنيمة لكتاب الله -جل وعلا- فإن الله –عزوجل- يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى? وَالْفُرْقَانِ}، وجبريل عليه السلام كان ينزل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يدارسه القرآن، فينبغي للإنسان أن يرتبط بالقرآن، وأن يظهر ذلك جليًا في حياته وفي أفعاله، وفي أقواله، وأن نقف مع الآيات {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
 
 قد حذر الله -سبحانه وتعالى- من هجر القرآن { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَ?ذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}، الإقبال على كتاب الله –عزوجل- تدبرًا وتفهمًا وتعلمًا وتعليمًا ونصحًا، لهذه الأمة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة".
 
كذلك فإن من الأمور الهامة في شهر رمضان العفو والصفح فإن لله سبحانه وتعالى في كل ليلة عتقاء، ومن أراد أن يعفو الله عنه فليعفو عن خلقه، { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، إقالة العثرات وغفران الزلات من الطاعات {الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.
 
كذلك في هذا الشهر من الأمور العظيمة والتي ينبغي أن نحرص عليه "البر"، بر الوالدين {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، صلة الأرحام التي هي سبب للخير والبركة والزيادة والنماء، ففي حديث أنس رضي الله عنه: "من أراد أن يبسط له في رزقه وأن يُنسأ في أثرة فليصل رحمه"، وحديث عائشة -رضي الله عنها- في صحيح الجامع "صلة الأرحام وحسن الأخلاق وحسن الجوار تزيد في الأعمار وتعمر الديار"،
 
هذه المعاني ينبغي أن يغتنمها الإنسان وأن نسعى في الإصلاح بين المتخاصين، {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ}.
 
ينبغي علينا أن نحرص على هذه الأمور، وأن نسعى في ذلك، وأن نبذل ما في الوسع.
 
وأذكر نفسي وإخواني أنني في الجمعة الماضية حضرت سبع جنائز، مهم أن نتذكر من مات من إخواننا الأفاضل ومن شيوخنا الأكارم، ومن ماتوا في شهر رمضان، فإني أعرف من الشباب من ماتوا معنا في هذا الشهر بعد دخول الشهر، ومنهم من صام والله ولم يفطر، ومن من قام ولم يكمل، ومنهم من أكمل القيام ومات بعد القيام، ومنهم من كان يصلي بالناس الفجر فسلم ومات بعد التسليم، فهذه عافية ونعمة، "نعمتان مغبون فيهما الناس الصحة والفراغ "، حديث ابن عباس الذي افتتح به البخاري كتاب الرقاق، فينبغي علينا أن نغتنم الأعمار قبل أن تذهب وتفنى، وأن نغتنم العافية قبل أن تبلى وأن تفارق، وكم من صحيح صار سقيماً وكم من حي صار ميتاً، وكم من تقيٍ صار مفتونًا.