تحذير الجهلاء مِن الوقيعة في ورثة الأنبياء

  • 232


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن أصول منهج السلف: احترام العلماء، وتوقير الفقهاء، والتأدب معهم.

قال الإمام الطحاوي -رحمه الله-: "وعلماء السلف مِن السابقين، ومَن بعدهم مِن التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومَن ذكرهم بسوءٍ؛ فهو على غير السبيل".

فقد جاء الشرع بتكريمهم، والحضِّ على توقيرهم؛ فمِن إجلال الله -تعالى-، وتعظيمِ شريعته: توقير العلم والعلماء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ) (رواه أحمد والحاكم، وحسنه الألباني).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "العلماء هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء؛ بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجةُ الناس إليهم أعظمُ مِن حاجتهم إلى الطعام والشراب".

قيضهم الله لحفظ الدين؛ ولولا ذلك لبطلت الشريعة، وتعطلتْ أحكامها؛ فهم عصمة للأمة مِن الضلال.

إذا خلتْ الساحة منهم اتخذ الناس رءُوسًا جهالاً، استبدوا برأيهم، وتأولوا بأهوائهم، وركبوا رءوسهم، يفتونهم بغير علمٍ؛ فلا تسل عن الحرمات التي تُستباح، والدم المعصوم الذي يُهراق، والعرض الذي يُنتهك، والمال الذي يُهدر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (متفق عليه).

الطاعنون في علماء الشريعة هم أهل الأهواء والبدع والنفاق؛ لأن العلماء يَحُولون بينهم وبيْن نشر النفاق والفساد، والابتداع في الدين؛ إذ ببيان العلماء يظهر العلمُ، ويُرفَع الجهلُ، وتُزال الشبهة، وتُصان الشريعة، ويكون الناس على طريقٍ مستقيمة، ومحجَّة واضحة، لا غموض فيها ولا الْتباس؛ ولذا كان أئمة السلف الصالح إذا رأَوْا مَن يطعن في عالمٍ رباني اتَّهموه في دينه.

قال يحيى بن معين -رحمه الله-: "إذا رأيتَ الرجلَ يتكلم في حماد بن سلمة، وعكرمة مولى ابن عباس؛ فاتَّهمه على الإسلام".

والطاعنون في العلماء، والداعون إلى العزوف عنهم، إنما يبتغون بذلك تجهيلَ الناس بدينهم، وإبطال شريعة الله فيهم، وإطفاء نوره الذي استضاءوا به، قال أيوب السختياني -رحمه الله-: "إن الذين يتمنَّوْن موتَ أهل السُّنة يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون".

والذين يأكلون لحوم العلماء: إنما دفعهم الهوى للوقوع في أعراضهم، قال الله -تعالى-: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) (القصص:50)، وكان السلف يقولون: "احذروا مِن الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه!".

أو دفعهم إلى ذلك: النفاق، وكره الحق، قال الله -تعالى-: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) (البقرة:10)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مَن آذى فقيهًا، فقد آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومَن آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد آذى الله -عز وجل-".

وقال ابن المبارك -رحمه الله-: "مَن استخف بالعلماء ذهبت آخرته".

وقال ابن الأذرعي -رحمه الله-: "الوقيعة في أهل العلم؛ لا سيما أكابرهم مِن كبائر الذنوب".

والطاعنون في العلماء لا يضرون إلا أنفسهم، وهم مفسدون في الأرض، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81)، وهم عرضة لحرب الله القائل في الحديث القدسي: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ) (رواه البخاري).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ورثة الأنبياء، سادات أولياء الله".

ورحم الله ابن عساكر إذ قال: "اعلم أخي -وفقنا الله وإياكَ لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاتهِ-: أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما همْ منه براء أمرٌ عظيم، والتناول لأعراضهم بالزورِ والافتراء مرتعٌ وخيم... ومَن أطلق لسانه في العلماء بالسب أو الثلب ابتلاه الله قبْل موته بموتِ القلب".