الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
14- من أخلاقهم -رضي الله عنهم-:
كثرة تعظيمهم حرمة المسلمين ومحبة الخير لهم؛ لأنها من جملة شعائر الله: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
وقد عظم النبي -صلى الله عليه وسلم- حرمة المسلمين في أعظم محفل شهدته البشرية، فقال -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) (متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).
وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يقول: "لا يحقرن أحد أحدًا من المسلمين عند الله كبير".
وكان عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "أفضل الحسنات إكرام الجليس"، وكان ينظر إلى الكعبة، ويقول: "إن الله حرمك وشرفك وكرمك، والمؤمن أعظم عند الله تعالى منك".
وكان عكرمة يقول: "إياكم أن تؤذوا أحدًا من العلماء، فإن مَن آذى عالمًا آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
فتأمل يا أخي في نفسك: هل عظمت حرمات المسلمين فضلًا عن العلماء والصالحين -كما ذكرنا- أم احتقرتهم ووقعت في أعراضهم وصرت من الفاسقين بذلك؟!
15- ومن أخلاقهم رضي الله عنهم:
صبرهم على أذى زوجاتهم، وشهودهم أن كل ما بدا من زوجة أحدهم من المخالفات له صورة معاملته لربه، فلما خالف ربه، كذلك خالفته زوجته.
قال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق دابتي وامرأتي".
وكانوا -رضي الله عنهم- يؤدون إلى المرأة حقها على الكمال، ولا يمنعهم مخالفتها بهم عن ذلك.
وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول: "من سعادة المرء خمسة أشياء: أن تكون زوجته موافقة، وأولاده أبرارًا، وإخوته أتقياء، وجيرانه صالحين، ورزقه في بلده".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وكان أحمد بن حرب يقول: "إذا اجتمع في المرأة ست خصال فقد كمل صلاحها: المحافظة على الخمس، وطواعية زوجها، ومرضاة ربها، وحفظ لسانها من الغيبة والنميمة، وزهدها في متاع الدنيا، وصبرها عند المصيبة".
ومن أخلاقهم مع زوجاتهم كذلك: صبرهم على إصلاحهن؛ عملًا بقول الله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه:132).
وعملًا بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ) (رواه مسلم).
16- ومن أخلاقهم -رضي الله عنهم-:
ترك طلب الرياسة حتى نفجأهم ويقدمهم الناس على أنفسهم، ويصير أحدهم يقول: "ما أنا بأهل للإمامة" مثلًا، فيقول الناس له: بل أنت أهل لذلك وزيادة!
عملًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) (متفق عليه).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ) (رواه البخاري).
وقد كان سفيان الثوري -رحمه الله- يقول: "مَن طلب الرياسة قبل مجيئها فرت منه وفاته خير كثير".
وكان يقول: "لا يطلب أحدكم الرياسة إلا بعد مجاهدة نفسه سبعين سنة".
وكان مسلم بن قتيبة -رحمه الله- يقول: "أدركنا الناس وهم يعدون الإمارة أعظم بلاء، ونراهم اليوم يطلبونها، وكانوا إذا تولى صديقهم الإمارة يقولون: اللهم أنسه ذكرنا حتى يصير لا يعرفنا ولا نعرفه!".