عاجل

من هدايات القرآن (3)

  • 69

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمع اقتراب شهر رمضان تهتز قلوب عباد الله المؤمنين عند سماع قوله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: ١٨٥)، فالقرآن وُصِف في هذه الآية بـ(هُدًى لِلنَّاسِ)، و(بَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى)، و(الْفُرْقَانِ).  

فهو هدىً للناس أي: مرشد للناس لسائر مصالحهم الدينية والدنيوية، وهذا مدحٌ للقرآن الذي أنزله الله هدىً لقلوب العباد ممَّن آمن به وصدقه واتبعه.

"فهو في نفسه هدى لجميع الخلق، فالأشقياء لم يرفعوا به رأسًا، ولم يقبلوا هدى الله، فقامت به عليهم الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون فاهتدوا به وانتفعوا به غاية الانتفاع" (تفسير السعدي)

ولذلك كلما ازداد الإنسان المسلم تقوى لله -عز وجل- بترك المحرمات وفعل جميع الواجبات، فإنه ينال الحظ الأوفر من الهداية القرآنية، وإذا زاد بفعل المستحبات وترك المكروهات نال حظًّا وافرًا من الهداية، بل وكان الله سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، أي: يوفقه الله -تعالى- في حياته في سمعه، وبصره، ويده، ورجله، وأموره كلها، ويهديه ويوفقه في شأنه كله. 

ولوصف القرآن بأنه: (بَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى) ثلاث معان: 

1- أنه دلائل وبراهين بينة واضحة جلية على صحة ما أرشدهم إليه، فالقرآن يهدي ويرشد، ثم هو أيضًا يقيم الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على صحة ما أرشد إليه، ودل الناس عليه، فالبعض قد يرشد، ولكنه لا يستطيع إقامة البراهين والأدلة على صحة ما أرشد إليه، لكن القرآن يهدي ويقيم الأدلة على صحة هدايته. 

2- وبينات من الهدى أي: محكمات، فالقرآن منه آيات محكمات، وقد عطف هذا الخاص (الآيات البينات المحكمات من جملة الهدى) على العام، وهو (هُدًى للنَّاسِ) لبيان شأن المعطوف وأهميته، وأن يرد المتشابه منه إليه، فيتفق الكتاب كله، ولا يكون هناك اختلاف أو تناقض. 

3- وبينات من الهدى أي: أن القرآن هدايته بينة واضحة، جلية وكاشفة؛ فأما كونه (هُدًى للنَّاسِ)، فهذا يشترك فيه مع الكتب السابقة، وأما كونه (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى) أي: أن هدايته أوضح وأبْين ما تكون، فالقرآن يهدي هداية عامة مثل الكتب السابقة، وهداية خاصة واضحة الدلالة ظاهرة الحجة (ذكر معناه الألوسي)

وهذا الذي سبق كله من معاني (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى) مما ذكره المفسرون في تفسيراتهم ولا تعارضَ بين هذه المعاني كلها، فكلها حقّ ومما وُصِف القرآن بها.  

ووُصِفَ القرآن كذلك بأنه "فرقان" أي: فصل بين الحق والباطل، والغي والرشد، والضلال والهدى، وبين أهل الجنة وأهل النار، فالقرآن فيه هداية للناس في جميع مصالحهم الدينية والدنيوية، وانتفع بها المتقون ولم ينتفع به غيرهم، وكذلك هو يقيم الأدلة والبراهين القاطعة على صدق ما جاء من هداية وإرشاد، وكذلك هدايته فيها من الآيات المحكمات التي تُرَدُّ إليها المتشابهات فلا تجد فيه اختلافًا ولا تناقضًا. 

وهدايته: هداية واضحة أكثر مما جاء في الكتب السابقة. 

وهو فرقان: يفصل بين الحق والباطل، وبين الغي والرشاد، وبين الهدى والضلال، فكل مَن أراد الهداية؛ فعليه بِطَرِيقة القرآن فهي أوضح طريقة وأيسرها، وأكثرها تأثيرًا في قلوب العباد، وليس أفضل من شهر رمضان يُقْرأ فيه القرآن، ويُلتمس فيه من تلك القراءة الهداية والإيمان، وصلاح حال القلب والنفس والوجدان، والثبات على الطاعة وترك العصيان، والقرب من الله الخالق الرحمن. 

والحمد لله رب العالمين.