عاجل
  • الرئيسية
  • في ذكرى ضحاياها.. نفتح الصندوق الأسود لمصلحة الطب الشرعي

في ذكرى ضحاياها.. نفتح الصندوق الأسود لمصلحة الطب الشرعي

  • 148
مصلحة الطب الشرعي

رئيسها الأسبق قدم سمعتها قربانا للنظام .. وتوقفت عند عام 1952
هل تصدق أن المجلس الأعلى للطب الشرعى لم يجتمع منذ 50 عاما!
محافظة يعمل بها طبيب واحد وحجرة تشريح واحدة

مصلحة الطب الشرعى.. هيئة أثار أداؤها فى الفترة الأخيرة جدلا كبيرا وأثيرت شكوك حقيقية حول مصداقية تقاريرها خاصة بعد تقريرها الشهير فى حادثة مقتل خالد سعيد وإصرار رئيسها آنذاك على أن خالد مات بلفافة بانجو حشرت فى حلقه وكذلك الارتباك فى عرض تقرير الحالة الصحية للرئيس السابق بعد توقيع الكشف الطبى عليه..

هذا الأداء الهزيل دفعنا إلى فتح ملف الطب الشرعى فى مصر والوقوف على مدى جودة الخدمات التى يقدمها ومنظومة العمل داخل هذه الهيئة بالغة الخطورة، وللحقيقة فإن الصورة التى رصدناها كانت صادمة للغاية فهذه الهيئة مازالت تعمل بفكر وإمكانيات عصر الملك فاروق، ولاعجب فالقانون الذى ينظم العمل بهذه الهيئة حتى اللحظة هو القانون رقم 96 لسنة 1952 ناهيك عن الممارسات المتخلفة لعدد من قيادات هذه الهيئة دفعت معظم خبراء الطب الشرعى وعقوله النابغة إلى الهروب خارج مصر خاصة دول الخليج التى تقدر جيدا هذه المهنة وتوفر لها إمكانيات تتناسب مع خطورة المهمة الملقاة على عاتقها.

التقينا أحد قيادات الطب الشرعى بإحدى المحافظات الذى رفض ذكر اسمه خوفا من البطش الذى ينتظره، فيقول: إنه يعمل طبيبا شرعيا ميدانيا، وفى نفس الوقت رئيس قسم الطب الشرعى الذى لا يوجد به سواه بالمحافظة التى تبلغ مساحتها أكثر من 70 كيلومترا وبها 11 نيابة ولا يعمل بالمحافظة كلها سوى طبيب واحد مطلوب منه تغطية كل قضايا المحافظة،.

سألناه كيف يكون الأداء بهذه القوة البشرية بالغة الضآلة قياسا بحجم العمل؟..

قال كان عندى طبيب أخذ أجازة لأدائه امتحانات وأرسلوا لى طبيبا من المصلحة الأم للمساعدة ولم يستطع المكوث سوى أيام معدودة ورجع إلى المصلحة الرئيسية مرة أخرى، وأمام هذا الوضع لا أملك إلا أن أواصل العمل حتى العاشرة مساءً لتغطية كل المطلوب من قضايا حتى إن فنى التشريح الذى كان يعمل بالفرع قام بتسوية حالته الوظيفية، وأصبح الآن موظفا بالدرجة الكتابية وأضغط عليه ليساعدنى فى العمل رغم أنه أصبح بحكم وظيفته الجديدة غير مكلف بذلك، كما لا يوجد بالمحافظة سوى سائق واحد وسيارة واحدة بكابينة مزدوجة نقوم بإصلاحها على حسابنا إذا تعطلت لأنه لا يجوز أن نستخدم سيارات الأهالى أصحاب القضايا حتى لا تكون هناك شبهة مجاملة.

ويقول إن سبب هذا الضعف فى الكوادر الفنية نقص وتوقف التعيينات وإذا سوى طبيب حالته أو سافر لا يأتونا بآخر، كما أن الراتب قياسا بالجهد المبذول ضئيل جدا الأمر الذى دفع عددا كبيرا من أطباء الهيئة خاصة حملة الماجستير والدكتوراه للهروب إلى دول الخليج حيث يتراوح راتب الطبيب ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه شهريا ولا يقوم الطبيب هناك إلا بعمل حالة أو اثنتين على الأكثر فى اليوم فى حين أن نفس الطبيب فى مصر لا يتعدى راتبه 3 آلاف جنيه بالحوافز والمكافآت على هيئة تقديرات التى يتم تحصيلها على هيئة رسوم على كل حالة ما بين العاهات والإصابات والوفاة تتراوح ما بين 100 إلى 500 جنيه على كل حالة تذهب إلى صندوق خاص يتم منه الصرف على كل العاملين بالهيئة وبالطبع كعادة الأمور للمصلحة الأم نصيب الأسد، ويؤكد أن حجم العمل بالفرع يتطلب وجود 10 أطباء على الأقل وليس واحدا فقط كما هو الحال الآن وعندما طلبنا من رئيس القطاع مدّنا بعدد من الأطباء عن طريق فتح باب التعيين قال لا أملك التفويض اللازم لذلك.

منشار النجار

وعن إمكانيات التشغيل التى لا يمكن وصفها إلا بالمزرية والفضيحة يقول الطبيب الذى يعمل رئيس قسم وطبيبا ميدانيا وفنيا فى نفس الوقت: إن كل مستشفيات المحافظة البالغ عددها 9 مستشفيات مركزية لا يصلح منها لعمليات التشريح سوى مستشفى واحد والباقى عبارة عن مغاسل فقط هذا عن مكان التشريح، أما الآلات والمعدات المستخدمة فهى فى الغالب عبارة عن منشار نجار لعدم توافر منشار طبى بالمحافظة بالكامل ودعم المصلحة من المعدات توقف منذ سنين عديدة بسبب توقف المنح التى كانت تجلب لنا المعدات،.

وفجر هذا الطبيب مفاجأة من العيار الثقيل حيث أكد أنه تم توريد جهاز أشعة تبلغ قيمته 3 ملايين جنيه لفرع الهيئة بالمحافظة التى يعمل بها منذ 3 سنوات ومازال ملقى فى المخزن حتى الآن ولم يتم تركيبه وتشغيله حتى الآن، وقال إننا خاطبنا الهيئة مرات عديدة منذ أوائل عام 2008 حينما ورد إلينا الجهاز لتركيبه لإرسال متخصص لتركيب الجهاز دون جدوى، أما عن عينات التحليل فيقول لا يوجد سوى معمل تحليل واحد موجود بمقر المصلحة بالقاهرة ترد إليه عينات التحليل من كل أنحاء الجمهورية من أسوان حتى الإسكندرية ولك أن تتخيل مدى سلامة العينات الواردة للتحليل فى حالة بعد مكان كأسوان.


ويرى أن سبب هذه الحالة المزرية طبيعة العمل بالغة السوء بفروع الطب الشرعى يرجع إلى أن كل مقدرات هذه المصلحة مرتبط بوزارة العدل التى لا ترسل للهيئة سوى الفتات وولى خطوات تطوير العمل بهذه الهيئة هو استقلال هذه الهيئة ماليا وإداريا ودعمها فنيا وتقنيا بشكل واسع، ولنا أن نتخيل حجم هذا الدعم بعد عرض إمكانيات التشغيل التى لا تتناسب إلا مع العصور الوسطى حتى لا تتعرض الهيئة إلى ضغوط تطعن فى مصداقية تقاريرها كما أشيع الفترة السابقة، وأكد أن حال الطب الشرعى فى مصر جعل من الهيئة مجرد كوبرى لمعظم الأطباء للحصول على الماجستير والدكتوراه ثم السفر إلى الخارج.
قانون الملك

الدكتور أيمن فودة رئيس مصلحة الطب الشرعي الأسبق يؤكد أن الطب الشرعي هو جزء رئيسي فى العدالة وسند أساسي له عانى فى الفترة الماضية الكثير من المشكلات رغم أن معظم الحلول موجودة فى قوانينه التى بدأ بها وأولها القانون 96 لسنة 1952 وهو قانون تم وضعه فى عهد الملك فاروق ينظم عمل مصلحة الطب الشرعي وينص على وجود مجلس استشارى أعلى يدير المصلحة يضم وزير العدل رئيسا وكبير الأطباء الشرعيين و2 من نوابه وأستاذ طب بشرى بجامعة القاهرة والنائب العام ورئيس محكمة استئناف القاهرة، هذا المجلس لم يجتمع ولو لمرة واحدة طوال 50 سنة ولو تم تفعيل هذا المجلس لتجنبنا انفراد رئيس المصلحة بقراراته ولما حدثت الكوارث التي سمعنا عهنا في المرحلة الأخيرة بالإضافة إلى قانون الإجراءات المواد 85 و89 وقانون الإثبات.

اللائحة الداخلية

ويشير الدكتورفودة إلى أن اللائحة الداخلية التي تنظم العمل داخل المصلحة موضوعة منذ عام 1928 وتم تعديلها في 2005 توضح قواعد العمل في المأموريات المختلفة وفي لائحة واحدة مجمعة إلا أنه تم إهمالها ما أدى إلى حدوث خلل في جودة العمل داخل المصلحة بالإضافة إلى تعطيل وظيفة المكتب الفني لكبير الأطباء الشرعيين الذي لا يقل درجة المعينين فيه عن مدير عام والحاصلين على درجة الدكتوراه في أقسام الطب الشرعي الميداني والتزييف والتزوير والمعمل الكيميائي والطبي ووظيفة أعضاء المكتب الفني مراجعة القضايا المختلفة، ويلزم الطبيب الشرعي بتعديل قراره حال حدوث أى خلل إلا أن هذا المكتب تم تفريغه من أعضائه وأوكل إلى أهل الثقة بعيدا عن المعايير المهنية فكان ما كان.

ويوضح د. أيمن فودة أن عدد الأطباء الشرعيين يصل إلى 176 طبيبا شرعيا معظمهم يعملون فى دول عربية ولا يوجد فى مصر سوى 76 طبيبا فقط مع أننا في مصر نحتاج طبيبا لكل 500 ألف نسمة أى 400 طبيب شرعي؛ فالطبيب الواحد يعرض عليه 60 قضية في الشهر يجب عليه إنجازها وكتابة التقارير فيها وهو الذي أدى إلى هذا الخلل مع زيادة عدد القضايا بصورة كبيرة بالإضافة إلى 100 ألف قضية تزييف تعرض على عدد 50 خبيرا ونحن نحتاج في مصر 700 خبير حتى ننجز القضايا الهامة هذا بخلاف المعمل الكيميائي الذي يحلل المواد المخدرة التي تعرض عليه ويحتاج 460 كيميائيا ومعملا خاصا يتوافر فيه إمكانات التعقيم والمعمل الطبي الذي يحتاج نفس الرقم للقيام بمهامه على أكمل وجه وتفعيل دور فريق عمل إدارة الكوارث والأزمات بالمصلحة.

ويلفت كبير الأطباء الشرعيين الأسبق الانتباه إلى أن ميزانية الكتب والمراجع العلمية تصل إلى 52 ألف جنيه فقط وهى لا تكفى بطبيعة الحال لشراء أمهات الكتب التي تفيد الطبيب الشرعي فثمن الكتاب الواحد يصل الى 6 آلاف جنيه، كما أن ميزانية الأجهزة العلمية من 400 إلى 800 ألف جنيه وهى لا تصلح لشراء جهاز واحد فقط وبالتالي لا يوجد إحلال وتجديد.

ويضع د. فودة حلول مهمة لخروج مصلحة الطب الشرعي من أزمة الثقة التي تعانيها في استقلال المصلحة عن وزارة العدل وبالتالي تكون لها ميزانيتها الخاصة وإنشاء مناطق طبية بشرية بنفس نموذج القاهرة في 8 مناطق على مستوى الجمهورية تشمل محاكم الاستئناف في طنطا والمنصورة والإسماعيلية وأسيوط وقنا والقاهرة والإسكندرية - فالمصلحة لم تشهد هذا الهجوم منذ إنشائها في عهد محمد على عام 1820- مع اختيار كبير الأطباء الشرعيين عن طريق أعلم الأطباء وأكبرهم سنا من داخل المصلحة واشتراط حصوله على الدكتوراه.
الاستقلال هو الحل.

رفع الوصاية

وتتفق الدكتورة ماجدة هلال نائب رئيس مصلحة الطب الشرعي مع هذا الطرح وترى أن البداية يجب أن تكون من خلال رفع الوصاية عن مصلحة الطب الشرعي لأن الأطباء في المصلحة مع عدم توافر الاستقلالية يشعرون بأنهم فاقدو الأهلية وهو ما أدى إلى هذا الخلل في أداء المصلحة خلال الفترة الأخيرة وجعل المواطن ينظر للمصلحة نظرة الريبة ويتهمها بشبهة التواطؤ، مشيرة إلى أن استقلال المصلحة هو الذي يعيد لها هيبتها وموضوعيتها.

وترى أنه رغم وجود بعض التجاوزات فإن المصلحة بها الكثير من الإيجابيات وخصوصا الأطباء الموجودين فيها ويمثلون إمكانات بشرية هائلة تتخطفها الدول العربية لذلك فهى ترى أن مستقبل الطب الشرعي في مصرواعد إذا تحققت له الاستقلالية وتم إلغاء فكرة انتداب رئيس المصلحة فالطبيب الشرعي هو قاضى الدعوة قبل قاضيها وهو الوسيط بين والطب والقانون.
ويؤيد الدكتور كمال السعدنى كبير الأطباء الشرعيين الأسبق بالمصلحة أهمية تحسين المستوى المهني للطبيب الشرعي عن طريق البعثات التدريبية ليتعرف الطبيب على أحدث الأجهزة واستخداماتها لكي نجارى الطب الشرعي في الدول المتقدمة وهذا لن يكون إلا من خلال توفير إمكانات مادية لشراء أحدث الأجهزة

ويركز د. السعدنى على أهمية اختيار القيادات على أساس النزاهة والكفاءة والخبرة وأن تعتمد مصلحة الطب الشرعي على أساس هرمي لتمتزج الخبرة والكفاءة مع عدم الاستغناء عن الذين تعدوا الستين وتعيينهم ككبار المستشارين في المصلحة والاستفادة منهم مع حملة إعلامية تعيد هيبة الطب الشرعي لسابق عهدها بعد أن تم التشكيك فيه لسنوات طويلة.

أما الدكتور أسامة عبد الحي أستاذ التخدير والرعاية المركزة بطب الأزهر فيرى أن مصلحة الطب الشرعي جهاز قوى ومهم جدا في الدولة ولا يعقل أن يكتب رئيس المصلحة التقارير ولا توجد محاسبة فورية له من كبار الأطباء الشرعيين ولا يمكن أن يمارس الطبيب الشرعي دوره من خلال شقق صغيرة جدا في المحافظات المختلفة ويتعرض لكثير من المخاطر لذلك فإن توفير المعامل مطلوب في هذه المحافظات والحال والظروف السيئة التى تعمل بها المصلحة فى المحافظات لا يمكن قبولها بأى حال من الأحوال.