نستورد 98% منها.. مشروع قومي لتوطين صناعة بذور وتقاوي المحاصيل الزراعية

  • 196

نستورد 98% منها.. مشروع قومي لتوطين صناعة بذور وتقاوي المحاصيل الزراعية

نقيب الفلاحين: حماية للأمن الغذائي في ظل التقلبات المناخية والسياسية التي يشهدها العالم

أستاذ محاصيل: صناعة كبرى يحتكرها كبار المستثمرين في أمريكا وكندا

كتب – أحمد سعيد

يعد المجال الزراعي إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الرسمي، خاصة في بلد مثل مصر التي يعمل أغلب سكانها في مجال الزراعة؛ لذا فإن الدولة تولي هذا القطاع مزيدًا من الاهتمام والرعاية، بدءًا من استصلاح الأراضي وملايين الأفدنة، مرورًا بمشروع الدلتا الجديدة، وصولًا إلى المشروع الوطني لإنتاج البذور والتقاوي.

وإنتاج البذور مشروع قومي أُعلن عنه للمرة الأولى في عام 2019م عقب الأزمة الطاحنة التي عصفت بالمزارعين، على إثر تورط شركة خاصة في استيراد تقاوي طماطم فاسدة، كبدت الفلاحين خسائر فادحة بعدما أصيب المحصول بفيروس أدى إلى عدم الإنتاج.

بدورها، أعلنت مؤسسة الرئاسة عن ضرورة توطين البذور والتقاوي بدلًا من استيرادها، كنوع من الحماية للفلاحين ولمحاصيلهم من الإصابة بأمراض النباتات قدر الإمكان، علاوة على أهمية المشروع في تقليل الاستيراد والعمل على ترسيخ فكرة الأمن الغذائي، ويشرف على المشروع نخبة من المتخصصين والفرق البحثية، وينفذ المشروع في 5 مراكز بحثية هي: محطة بحوث سدس، محطة بحوث قها، محطة بحوث سخا، محطة بحوث الجميزة، ومحطة بحوث البستان.

ومؤخرًا، شددت مؤسسة الرئاسة على ضرورة الإسراع في تنفيذ المشروع الوطني لإنتاج البذور والتقاوي، مُوجهة بتعزيز جهود العمل تماشيًا مع توجه الدولة بدعم القطاع الزراعي، والعمل على رفع الكفاءة الإنتاجية للمحاصيل الزراعية المصرية، مع حماية محاصيل الفلاحين والمزارعين من الأمراض من خلال استنباط سلالات وأصناف زراعية عالية الجودة.

من جانبه، يرى حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، أن توطين إنتاج التقاوي والبذور في مصر يعد من أهم وأفضل المشاريع القومية في المجال الزراعي، موضحًا أن تقاوي وبذور اليوم هي ثمار الغد، لا سيما أن مصر تستورد 98% من بذور وتقاوي الخضروات، ورغم ذلك فإن مصر تصدر أكثر من 5 ملايين طن من الخضروات سنويًا، على الرغم أن الدولة لا تنتج سوى 2% فقط من تقاوي وبذور هذه الخضروات، فيما يعد مفارقة عجيبة وغريبة (على حد تعبيره).

وأوضح أبو صدام أن مصر تمتلك مركز البحوث الزراعية الذي يعد الأكبر في الشرق الأوسط كله، من حيث المساحة وعدد العلماء وتراكم الخبرات الموجودة بهذا المركز، مشيدًا بالتوجيه الرئاسي المتعلق بالمشروع الوطني لإنتاج البذور والتقاوي، واصفًا هذا التوجيه أنه رؤية مستقبلية ثاقبة، خاصة في ظل التغييرات العديدة التي يشهدها العالم.

وقال نقيب الفلاحين، إن العالم يشهد العديد من التغيرات المناخية والسياسية كذلك؛ ومن ثم تأتي أهمية أن نمتلك تقاوي محلية مصرية تتماشى مع المناخ المصري الموجود، وتحسبًا لحدوث أي نزاعات سياسية قد تمنع استيراد مصر للتقاوي؛ ومن ثم نكون عرضة لموقف صعب يتعلق بالأمن الغذائي لمصر.

ولفت أبو صدام إلى أن مصر أحد المشاركين في اتفاقية "يوبوف"، وهي الاتفاقية المعنية بتسجيل وحماية الأصناف النباتية الجديدة التي تتوصل إليها الدول؛ وهو ما يعني منع أي دولة أخرى من استغلال البذور المسجلة أو التي سوف يتم تسجيلها باسم مصر، موضحًا أننا بدأنا بالفعل في المشروع القومي لإنتاج التقاوي والبذور، وقد بدأت بشائر هذا المشروع تظهر في محاصيل الطماطم والباذنجان والفاصوليا وبعض الخضروات الأخرى، لكنه يرى أن مصر تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود في هذا المجال، خاصة أن إنتاج نوع واحد متطور حديث من البذور يستغرق من سنة إلى 10 سنوات، حتى يكون لدينا نوع مشابه للأصناف الأجنبية أو يتفوق عليها.

ويرى نقيب الفلاحين أن المزارعين الآن يعدون أشبه بالمستثمرين المزارعين؛ فالفلاح يتوجه إلى شراء البذور والتقاوي الأفضل في الإنتاجية، المقاومة للأمراض والموفرة في المستلزمات الزراعية، التي تصلح في بعض البيئات المعينة مثل الأراضي المالحة أو خلافه، مطالبًا الفِرق البحثية القائمة على مشروع إنتاج التقاوي والبذور، بمراعاة تلك الأمور التي تشغل بال الفلاح؛ ومن ثم توفير الأصناف المناسبة له، خاصة أن الأصناف الأجنبية توجد الآن في الأسواق وبكثرة، ومنافسة تلك الأصناف تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد.

وأكد أن إنتاج التقاوي والبذور مشروع محبب ومأمول لدى كل الفلاحين، علاوة على أن المشروع يساعد في الحفاظ على موارد الدولة التي تستنفذ في استيراد التقاوي من الخارج، وحماية الأمن الغذائي المصري، بالإضافة إلى أن توافر الأصناف المصرية بالمراكز البحثية والمنافذ التابعة لوزارة الزراعة سوف يحمي الفلاح من التعرض لاستغلال التجار، خاصة مع ارتفاع أسعار التقاوي في الأسواق.

وفي ذات السياق، قال عصام شلبي، أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، إن إنتاج التقاوي والبذور ليس أمرًا سهلًا، بل يعرف في العالم كله أنه إحدى الصناعات الكبيرة والمهمة كذلك، وتعمل به كبرى الشركات وكبار المستثمرين، وأغلب هذه الشركات توجد في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبعض دول أوروبا، وتكون باستثمارات غالية ومرتفعة جدًا.

وأوضح شلبي أن الخطوة الأولى في عملية صناعة وإنتاج التقاوي تكون من خلال برامج تسمى "برامج التربية والتحسين"، مثلما يحدث في الذرة الهجين على سبيل المثال، وهي عبارة عن تجميع الأصول الوراثية المتميزة بصورة تمكننا من التوصل إلى سلالات جيدة، وتبدأ هذه المرحلة بـ "تقاوي المُربي" وهي كمية صغيرة للغاية لكن تتميز أنها تحتوي على كل الصفات الوراثية المرغوبة للصنف الجديد.

وأوضح أستاذ المحاصيل أن صناعة التقاوي تبدأ بعد المرحلة سابقة الذكر، وتكون عبارة عن إكثار تقاوي المربي –التي تكون كمية صغيرة جدًا فقد تكون نصف كيلوجرام أو كيلوجرام فقط– إلى عشرات الأطنان من البذور التي سوف يتم توزيعها على المزارعين في مساحات كبيرة؛ ومن ثم فإن صناعة التقاوي هي عملية مركبة وبها مراحل عديدة، موضحًا أن الأمر ليس سهلًا كما يظن البعض.

وأشاد شلبي بالمشروع الوطني لإنتاج التقاوي والبذور، مشيرا إلى أن التقاوي في مصر كانت تنتج بطريقة غير جيدة بالقدر المطلوب، مؤكدًا أن التقاوي فقط في محاصيل القطن والذرة والقمح والأرز، هي التي كانت يتم إنتاجها بطريقة سليمة نظرًا لكونها محاصيل استراتيجية وتكون في محاصيل كبيرة، أما أغلب تقاوي الخضروات فيتم استيرادها وبأسعار وتكلفة عالية.

وأكد شلبي أن المشروع الوطني هو مشروع قومي واعد، معربًا عن أمله في أن يستكمل المشروع باقي خطواته ويحقق مبتغاه في الوصول إلى أصناف عالية الإنتاجية، مقاومة للأمراض والحشرات المتأقلمة مع البيئة المصرية، مطالبًا الباحثين القائمين على تنفيذ المشروع بالتوصل إلى سلالات وأصناف جديدة ذات كفاءة مائية عالية، بحيث تكون احتياجاتها المائية محدودة ومع ذلك تنتج محاصيل عالية، وذلك تحسبًا لأزمة سد النهضة ومشاكل المياه المتوقعة.

وشدد أستاذ المحاصيل على أهمية مراعاة الظروف المناخية والاحتياجات المصرية، موضحًا أن إيجاد أصناف من المحاصيل المختلفة، سواء المحاصيل البستانية كالخضروات والفاكهة أو المحاصيل الحقلية مثل القمح والذرة والأرز، تتمتع بمواصفات خاصة تتماشى مع احتياجات المزارعين من جهة، وتتماشى مع صفات وطبيعة المناخ والأجواء المصرية من جهة أخرى؛ هو أمر مهم وهدف حيوي جدًا يخدم قطاع الزراعة في مصر.

يذكر أن النصف الأخير من عام 2018م شهد أزمة كبرى عرفت حينها باسم "بذور الطماطم الفاسدة"، حيث استوردت إحدى الشركات الخاصة بذور طماطم من الصنف هجين 023، ثم تبين أن هذه البذور كانت حاضنة لفيروس يسمى "TYLCV" أو ما يعرف باسم فيروس تجعد الورق؛ مما تسبب في تلف آلاف الأفدنة من محصول الطماطم، وتكبيد الفلاحين خسائر فادحة.

وقد تبنى البرلمان –في ذلك الوقت– فكرة وقف استيراد هذا النوع من البذور والتقاوي؛ وهو ما استجابت له وزارة الزراعة بعدما أثبتت الفحوصات العلمية أن البذور فاسدة وتحتوي على الفيروس، بينما ادعت الشركة أن تلف المحاصيل جاء بسبب ارتفاع درجات الحرارة وليس بسبب الفيروس الموجود في البذور.

كما مثلت ساحات القضاء جزءًا من هذه القضية، حيث حكم القضاء -في أكثر من 70 قضية من نفس النوع– بتغريم صاحب الشركة المستوردة لهذه البذور 30 ألف جنيه والحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، وفي بداية عام 2019م وجهت مؤسسة الرئاسة بضرورة تبني مشروع يهدف إلى إنتاج التقاوي والبذور حتى لا تتكرر هذه الأزمة مرة أخرى، ويكون بمثابة حماية أو ضمانة للفلاحين ولمحاصيلهم الزراعية. وخلال الاجتماع الأخير بين الرئيس والدكتور مصطفى مدبولي وبعض وزرائه، أوصت مؤسسة الرئاسة بالإسراع في تنفيذ المشروع واتخاذ خطوات أكثر جدية في هذا الشأن.