هل تسعى بكِّين للسيطرة على أفريقيا عبر الاستثمارات؟

68 دولة سقطت في مصيدة الديون الصينية.. وميناء مومباسا ومطار عنتيبي معرضان للفقدان

  • 31
صورة أرشيفية معبرة

تسعى الصين إلى الصعود عالميًّا كقوة دولية وإقليمية من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية، ويتماشى هذا مع رؤيتها التي تعمل على إنشاء جيش عالمي بحلول عام 2035م، والتزامها السياسي الأوسع ببناء دولة قوية كاملة ومتجددة بحلول عام 2049م، وهو العام الذي ستحل فيه الذكرى الـ 100 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية؛ لذلك تخطط بكِّين منذ زمن لإيجاد موطء قدم لها في أي مكان تستطيع الوصول إليه في العالم، ومن ذلك قارة أفريقيا التي توغلت فيها باستثماراتها المتعددة.

التوغل في أفريقيا

في يوم 3 من شهر سبتمبر من عام 2018م وعد الرئيس الصيني "شي جين بينج" بتقديم عشرات المليارات من الدولارات في السنوات الثلاث التالية للإسهام في تنمية القارة، وقد تم ذلك بالفعل، ومن المتوقع أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تعود على بكِّين من أفريقيا بحلول عام 2025 إلى 440 مليار دولار؛ أي بزيادة قدرها 144%، وهو رقم هائل يعكس مدى إحكام السيطرة "الناعمة" للصين القارة السمراء خلال العقود الماضية؛ عبر استثماراتها الكثيرة وحجم قروضها الكبير التي منحتها للعديد من دول القارة، ومعظمها بلدان فقيرة يصعب عليها سداد تلك الديون.

تضع الصين عينها على القارة السمراء منذ عدة عقود، ولها رؤية استراتيجية واضحة للتوغل في أفريقيا كي تصبح المستثمر الأول في هذه القارة، وخططت لمشروع رائد أعلن عنه منذ بضع سنوات وهو "طريق الحرير"، ورصدت له أموالًا طائلة لتنفيذه، وتمكنت كذلك خلال بضع سنوات من تشييد موانئ كبيرة لاستخدامها في نقل بضائعها وسلعها إلى دول القارة، مقابل نقل المواد الخام التي تزخر بها أفريقيا إلى بكِّين، كالحديد والزنك والكوبالت والنحاس والذهب، إضافة إلى النفط والغاز، وبالفعل نحو 90% من الصادرات الأفريقية للصين تتمثل في النفط والغاز والمعادن.

ومنحت بكِّين قروضًا كثيرة للعديد من بلدان القارة حتى أغرقتها بتلك الديون؛ وهذا منح الصين قوة في التفاوض بخصوص الصفقات الاستثمارية الكبرى في القارة ومنحها الأفضلية في الفوز بتلك المشروعات العملاقة مثل مناجم الحديد والمواد الأولية الأخرى، حتى أصبحت بكِّين المستثمر الأول في أفريقيا، لا سيما دول جنوب الصحراء.

الشريك التجاري الأهم لأفريقيا

بلغ حجم التجارة الثنائية بين بكِّين وأفريقيا 187 مليار دولار في عام 2020، وذلك رغم الصعوبات التي فرضتها جائحة "كورونا"؛ وبذلك أضحت الصين أفضل وأهم شريك تجاري لأفريقيا على مدار 12 سنة متتالية. وسجل حجم التجارة البينية بين الصين والدول الأفريقية نموًّا قويًّا في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بنسبة 40.5% ليصل إلى 139 مليار دولار. وركز الاستثمار الصيني على قطاعات الخدمات، لكنه سجل ارتفاعًا يصل للضعفين في الاستثمار بقطاعات جديدة كالبحث العلمي والتكنولوجيا والنقل والتخزين. وبُنيت 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية؛ نتج عن ذلك جذب 623 شركة، باستثمارات إجمالية قيمتها 7.3 مليار دولار، ووفرت أكثر من 46 ألف فرصة عمل للشباب الأفريقي.

مرحلة تعاون جديدة

في هذا الصدد، قالت د. فريدة بنداري، الباحثة في العلاقات الدولية والأمين العام للجمعية العلمية للشؤن الأفريقية، ونائب مدير المركز العراقي الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، إن التعاون الثنائي بين الصين والقارة السمراء سيدخل مرحلة جديدة من النمو، وسيتم خلالها تعزيز التعاون الصناعي في عدة مجالات كالتصنيع، وتدشين المجمعات الصناعية كي تسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وأضافت "بنداري" لـ"الفتح" أن التعاون الصيني الأفريقي حاز قوة دفع كبرى من خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) الذي أُسس عام 2000م؛ فقد اتخذت العلاقات المشتركة بعدًا جديدًا متمثلًا في التعاون الجماعي الأفريقي مع الصين، علاوة على أن الشركات الصينية أسهمت في التصنيع وتحسين سبل العيش في أفريقيا عن طريق استثماراتها داخل القارة؛ وهذا جعلها إحدى القوى الدافعة للنمو الاقتصادي الأفريقي.

أزمة القروض

الصين في الوقت الحالي تعد أكبر مقرض لقارة أفريقيا، وستدفع 68 دولة حوالي 52.8 مليار دولار أمريكي خلال هذا العام كتكاليف ديون، وشملت قروضها عدة دول، مثل: أنجولا 21.5 مليار دولار في 2017، وإثيوبيا 13.7 مليار دولار، وكينيا 9.8 مليار دولار، وجمهورية الكونغو 7.42 مليار دولار، وزامبيا 6.38 مليار دولار، والكاميرون 5.57 مليار دولار، ونيجيريا  3.121 مليار دولار؛ وتوجد أزمة في سداد هذه الديون مع امتلاك الصين نحو 90% من ديون إثيوبيا الثنائية الجديدة منذ عام 2015م، و72%من ديون كينيا الخارجية التي بلغت 50 مليار دولار، وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، ويُتوقع أن تدفع كينيا 60 مليار دولار لبنك الصين "إكسيم" وحده، وميناء "مومباسا" معرض للفقدان إذا تخلفت كينيا عن سداد القرض. وتواجه جيبوتي –التي تستضيف أول قاعدة عسكرية صينية في الخارج- مخاطر كبيرة من الديون المحتملة نتيجة الانخراط في مشروعات البنية التحتية ضمن إطار مبادرة "الحزام والطريق".

وقد استُجوب وزير المالية الأوغندي "ماتيا كاسايجا" في البرلمان خلال شهر أكتوبر الماضي، بسبب شروط قرض صيني بقيمة 200 مليون دولار لتوسيع مطار "عنتيبي" الذي يخدم العاصمة كمبالا، وهذا المطار معرض للفقدان كذلك إذا لم تُسدد تلك الديون.

هذه السياسية الاستثمارية الصينية في أفريقيا تؤكد حقيقة "أفخاخ الديون" التي تنسجها بكِّين لدول القارة للسيطرة عليها، إضافة إلى شرائها مسحات شاسعة من الأراض الزراعية في دول القارة بهدف استثمارها؛ وما يهم الصين من وراء هذه الاستثمارات والقروض هو الحصول على المواد الخام النفطية والمعدنية التي تملكها أفريقيا؛ ومن ثَمَّ تهيمن سياسيًّا على أفريقيا، علاوة على توغلها العسكري المتصاعد يومًا بعد يوم.