في ضوء أحداث حرق المصاحف مؤخرًا.. "بالودان" ليس بداية أو نهاية اليمين المتطرف

  • 30
راسموس بالودان

   تسبب إحراق "راسموس بالودان" اليميني الدنماركي المتطرف وزعيم حزب "سترام كورس"، نسخة من القرآن الكريم في حالة غضب عارمة بين المسلمين في العالم أجمع؛ ما أثار تساؤلات حول عودة اليمين المتطرف عبر بوابة السويد، وهو الاتجاه الذي يحمل مشاعر "الإسلاموفوبيا" في أوروبا.

وتواصلت الاحتجاجات خلال الأيام القليلة الماضية في عدة مدن سويدية؛ ونتج عنها إصابة واعتقال العشرات نتيجة إقدام أنصار حركة "سترام كورس" على حرق نسخ من القرآن الكريم، وأعربت الكثير من الدول العربية والإسلامية عن استنكارها لما حدث. وتعود ظاهرة حرق نسخ من القرآن إلى المخاوف من تصاعد خطر إرهاب اليمين المتطرف بأوروبا في ظل التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ مما يزيد من حدة الاستقطاب داخل المجتمعات الأوروبية.

استفزاز متعمد

يعتزم المتطرف "راسموس بالودان" الترشح للانتخابات التشريعية السويدية في شهر سبتمبر المقبل، ويبدو أنه يريد الحصول على أصوات المتطرفين أمثاله وزيادة شعبيته عبر محاربته للدين الإسلامي؛ فهو لم ينجح حتى الآن في جمع التوقيعات اللازمة لترشحه؛ لكن مما يزيد خطورة الوضع أنه يتعمد زيارة الأحياء التي تسكن فيها نسبة كبيرة من المسلمين ويحرق نسخًا من المصحف فيها؛ ما يبدو أنه نوع من الاستفزاز المتعمد. وقبيل  جولته سمحت الشرطة السويدية بإقامة تظاهرة بعد ظهر يوم الخميس الماضي يقودها هذا اليميني المتطرف وحزبه الشهير بتصرفاته المستفزة والمناهضة للإسلام، بعدما تقدم بطلب مكتوب للحصول على رخصة لتلك التظاهرة في 5 مناطق بالعاصمة ستوكهولم لإحراق القرآن في كل منطقة منهم. ولم يكتفِ بذلك، بل كتب عبر منشور له على حسابه في موقع "فيسبوك": "الغرض من التظاهرة السخرية من الإسلام وإهانة النبي محمد"! هكذا بكل صفاقة ووقاحة يتعمد استفزاز المسلمين ليس في بلاده فحسب، بل في العالم أجمع.

ويبدو أن اختيار "بالودان" لتلك المناطق في العاصمة السويدية لم يكن عشوائيًّا؛ فقد ركز على الأحياء الفقيرة التي تسكنها نسبة كبيرة من المواطنين ذوي الأصول الأجنبية والمسلمين. ويريد هذا المتطرف المستفز إيقاع المسلمين في أخطاء من خلال ردود أفعالهم على حرق كتابهم المقدس "القرآن الكريم"؛ فهو يرى أن الحكومة السويدية تقول للسكان إن الإسلام دين السلام، ويرغب في إثبات خطأها في تلك النظرة عن طريق تصرفات المسلمين العنيفة عقبر حرق المصاحف، كأنه يريد قول انظروا هؤلاء هم المسلمون، لكنه لا يدرك أن أحدًا من البشر لا يقبل أبدًا بإهانة ما يؤمن به، وأن ردود الفعل قد لا تكون محسوبة ولا يمكن السيطرة عليها حينذاك؛ فهو بمثابة من يلعب بالنار بغباء لإثبات رؤية خاطئة من البداية.

"بالودان" المتطرف

ولد هذا المتطرف عام 1982م في أسرة تحمل الجنسيتين الدنماركية والسويدية، وتلك الأحداث الأخيرة التي افتعلها ليست الأولى التي يثيرها هذا المتطرف؛ فخلال عام 2019م أحرق مصحفًا ملفوفًا في لحم خنزير مقدَّد؛ ما تسبب في صدام بين الجالية المسلمة والشرطة السويدية حينذاك، في الوقت الذي حظر فيه موقع "فيسبوك" حسابه لمدة شهر بعدما نشر صورة تربط بين الهجرة والجريمة.

وبعد مرور أيام قليلة من حصوله على الجنسية السويدية في شهر أكتوبر عام 2020م، اعتقل راسموس بالودان في فرنسا خلال الشهر التالي وسجن لمدة شهر، ثم رُحِّل لبلاده وحكم عليه بالسجن لمدة 3 أعوام بتهمة الترويج لآراء عنصرية. وفي نهاية شهر أغسطس الماضي كان بالودان السبب في إحراق نسخة من المصحف في مدينة مالمو السويدية؛ وتسبب وقتذاك في حدوث اضطرابات عنيفة داخل المدينة، وأوقفته سلطات ستوكهولم على الحدود ومنعت من دخوله البلاد لمدة عامين، لكنه لم يعتبر ولم يتعظ!

وكانت هناك محاولات لاغتيال هذا اليميني؛ فقد تعرض للطعن بسكين في شهر يونيو من عام 2020م؛ ما حدا بالشرطة إلى وضعه تحت حراسة مستمرة.

واجه بالودان 14 تهمة منها العنصرية والتشهير والقيادة الخطرة. وخلال عام 2019م فُصل لمدة 3 سنوات من وظيفته "محام جنائي"، ومُنع من القيادة لمدة عام كذلك. وفي العام نفسه وبسبب تصرفاته المستفزة لم يتمكن حزبه من دخول البرلمان الدنماركي في الانتخابات الوطنية؛ حيث حصل على نسبة 1.8% من الأصوات، وهي نسبة أقل 2% اللازمة لدخول البرلمان.

خطورة اليمين المتطرف

تتمثل تلك الخطورة في أن نشطاء هذا الاتجاه يستغلون التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتوسيع أنشطتهم داخل المجتمعات الأوروبية؛ ما يهدد بزيادة حدة الاستقطاب، وعلى الرغم من القيود التي فُرضت بسبب جائحة "كورونا" خلال العامين الماضيين وتسببت في وقف تحركات جماعات اليمين المتطرف مؤقتًا، فقد تمكن هؤلاء من الانتشار عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتعزيز أفكارهم التي تنادي بتفوق الرجل الأبيض على غيره؛ ما يعد عنصرية واضحة بلا أدنى شك، تسببت –ولا تزال- في حدوث مواجهات دموية في القارة الأوروبية.

يروج التيار اليميني المتطرف أفكاره ضد المهاجرين والمسلمين بِناءً على خطاب الهوية الأوروبية؛ حيث يعتبر أن المسلمين والمهاجرين عمومًا يشكلون خطرًا على هوية الغرب ذات الديانة والأصول المسيحية، وأن هؤلاء المسلمين والمهاجرين يذهبون إلى أوروبا بدين مختلف عن المجتمعات الأوروبية؛ ما يصعِّب عملية دمجهم داخل تلك المجتمعات بسبب تمسكهم بثقافاتهم ومعتقداتهم؛ لذلك فإن محاربة هذا الاتجاه اليميني المتطرف لن تكون سهلة، لكن الحفاظ على المساواة بين البشر وسيادة القانون وحقوق الإنسان تستحق عناء المحاولة.