حرب اقتصادية متبادلة.. تهديدات بمصادرة الأصول بين روسيا والغرب

  • 38
صورة أرشيفية معبرة

يتوجه الغرب الآن نحو تجميد أصول الأموال الروسية لديهم، بعد مرور أكثر من شهرين ونصف على الغزو الروسي العسكري لأوكرانيا، وسط تصاعد الصراع بين الدول الغربية وموسكو، وهدد رئيس البرلمان الروسي -مجلس الدوما- فياتشسلاف فولودين في بداية شهر مايو الجاري بأن بلاده قد تُصادر ممتلكات الأجانب لديها كنوع من الرد على مقترحات متداولة حاليًّا في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بمصادرة أصول الأموال الروسية المجمدة لديها واستخدامها في تمويل ودعم أوكرانيا.

جاءت تصريحات فولودين عقب تصعيد الرئيس الأمريكي جو بايدن لغة خطابه أول أمس أمام الكونجرس وطلبه 33 مليار دولار لدعم كييف، وتزايدت الاقتراحات الأمريكية بتوفير هذا الدعم عن طريق مصادرة الأصول الروسية المجمدة والاستيلاء عليها، لدرجة أن هناك لجنة من وزارة العدل الأمريكية والكونجرس وغيرهما يدرسون تعديل القانون بصورة تسمح لهم بمصادرة الأصول الروسية المجمدة.

وقد بدأت كندا هذه الخطوة منذ بداية الحرب حينما أعلنت أنها تدرس إمكانية مصادرة الأصول الروسية المجمدة لديها من أجل دعم أوكرانيا. وبريطانيا من جهتها –وهي التي ليس لديها كثير من الأصول الروسية المجمدة- تحاول تعديل القانون كي تتمكن حكومتها من الاستيلاء على مئات المليارات من أموال أثرياء روسيا التي في حوزتها. وتتزعم بولندا الدعوة بقوة داخل أوروبا لمصادرة الأصول الروسية المجمدة؛ بغرض تمويل استقبال لاجئي أوكرانيا أو دعم بلادهم عسكريًّا واقتصاديًّا، أو حتى كنوع من الاستعداد لإعادة إعمارها بعد انتهاء الحرب. لكن لم تُطبق هذه الدعوات حتى الآن بل يثار حولها جدل قانوني ودستوري. فما هي تلك الأصول المالية التي يجري تجميدها ويدرو الحديث حولها بين الطرفين؟

مليارات لا حصر لها

يصعب الحصر إجماليًّا لقيمة الأصول الروسية التي جُمدت عبر 5 جولات من العقوبات منذ بدء الغزو العسكري لأوكرانيا، خصوصًا أن الأرقام تختلف في العديد من التقارير التي تتبع كل إعلان غربي عن حزمة عقوبات جديدة، وكثير منها ما زال ضمن نطاق التقديرات لا المعلومات الحصرية المؤكدة. وهناك بعض التصريحات السياسية الغربية تبالغ كثيرًا في حجم الأصول الروسية المصادرة، مثلما يحدث في بريطانيا؛ فلا تزيد قيمة أصول حوالي 70 مليارديرًا روسيًّا من العقارات وغيرها على مليار دولار، علاوة على أن هناك أصولًا أخرى من الممتلكات الفخمة والشركات تقدر قيمتها ببضع عشرات من المليارات. في الوقت الذي نجد فيه الإعلام الغربي يتحدث عن أكثر من نصف تريليون دولار!

ورغم ذلك يمكن حساب قيمة -تقديريًّا- بعض هذه الأصول من خلال البيانات السياسية والتقارير الإعلامية مع التحفظ حول دقة تلك الأرقام الواردة فيها؛ فقد بلغ حجم الأصول الروسية في الخارج خلال السنوات الماضية نحو نصف تريليون دولار؛ أي 500 مليار دولار. يرجع الجزء الأكبر منها إلى احتفاظ البنك المركزي الروسي بنحو نصف احتياطياته الأجنبية في أصول بالخارج تقدر بـ 300 مليار دولار تقريبًا. وجرى تجميد معظم هذه الأصول، وكذلك أصول شركات ورجال أعمال روس؛ وهذا أضاف بضع عشرات من المليارات. فمثلًا لم تزد قيمة إجمالي ما جُمد من أصول روسية داخل دول الاتحاد الأوروبي كلها في حزم العقوبات الخمس حتى هذه اللحظة على 35 مليار دولار. وبخصوص واشنطن فإن هناك تقديرات تشير إلى تجميد أصول روسية تزيد قيمتها على 100 مليار دولار.

ورغم التصريحات والتقارير الإعلامية التي تحتل العناوين الرئيسة في صحف لندن، فإن الأصول الحكومية الروسية الموجودة في بريطانيا أقل مما هو موجود داخل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، لكن يوجد عدد من الشركات الروسية مسجلة في بورصة لندن، وإذا ألغي هذا التسجيل وحُذف من مؤشرات البورصة فلن يكون له تأثير كبير؛ لأن هذه الشركات -غالبًا- مسجلة في التوقيت نفسه لدى بورصات أوروبية أخرى، إضافة إلى أن أصولها المالية في بريطانيا ليست كبيرة.

ورغم ذلك أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية ليز ترس خلال نهاية شهر مارس  الماضي أن حجم الأصول الروسية الموجودة في بلادها وجرى تجميدها يزيد على 623 مليار دولار، يملك معظمها أفراد رجال أعمال روس مقربين من الحكومة الروسية، وتشتمل على عقارات غالية الثمن، يقدر الواحد منها بالملايين، بجانب ممتلكات أخرى لا سيما الطائرات الخاصة واليخوت الفخمة. وفرضت لندن حظرًا على العديد من المليارديرات الروس الذين دوَّروا أموالهم في بريطانيا، إضافة إلى شركات مثل نادي تشيلسي الإنجليزي الذي كان يملكه رجل الأعمالر الروسي رومان أبراموفيتش، ويقدر بأكثر من 4 مليارات دولار.

الأصول الغربية في موسكو

على الجانب الآخر،  إذا أرادت روسيا الرد على أي إجراء مصادرة غربي فلديها أصول غربية مملوكة لشركات كبرى كانت تجري أعمالها داخل روسيا وأوقفت أعمالها بعد بدء الحرب. وبعض هذه الأصول غير مملوكة كلها للغرب؛ لأن نصيبًا منها مملوك لشركاء روس، علاوة على وجود عقارات وأصول إنتاج للأعمال الغربية داخل روسيا ليست مرتفعة القيمة المالية بما لا يتجاوز بضع عشرات من المليارات.

والموضوع الذي احتل العناوين في وسائل الإعلام الغربية هو أسطول الطائرات الغربية التي استأجرتها شركات الطيران الروسية؛ فبعد الحرب بنحو 3 أسابيع -في منتصف شهر مارس الماضي- وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانونًا يتيح لشركات طيران بلاده تسجيل الطائرات المستأجرة من شركات أجنبية لدى السلطات الروسية لكي تتمكن من استخراج شهادات الصلاحية للطيران من موسكو بدلًا من بلاد المنشأ التي تملك هذه الطائرات.

بمعنى أن هذا القانون يعد تمهيدًا لاستحواذ الشركات الروسية على تلك الطائرات بصورة شرعية وبموجب القانون، ويهدف أيضًا إلى تفادي العطل في عمل هذه الطائرات وسط العقوبات الغربية المعرقلة لحصول الشركات على تصاريح صلاحية الطيران للطائرات المستأجرة من أوروبا؛ فروسيا تتمتع بمساحة جغرافية شاسعة تعد من أكبر البلدان على مستوى العالم من ناحية المساحة، تمتلكا شبكة خطوط طيران داخلية كبيرة، وربع الطائرات العاملة لدى شركات الطيران الروسية-متضمنة الشركة الرئيسة "إيروفلوت"- من إنتاج شركات غربية؛ فمن بين 415 طائرة لدى جميع شركات الطيران العاملة داخل روسيا، توجد 144 طائرة فقط أنتجت في روسيا. و85% على الأقل من تلك الطائرات غربية الإنتاج مستأجرة وليست مشتراة من شركات روسيا. وقدرت وسائل الإعلام الغربية أن موسكو إذا استولت على هذه الطائرات المستأجرة فسوف تخسر شركات الطيران الغربية أكثر من 12 مليار دولار.

تجميد أم مصادرة؟

تبقى القرارات والقوانين التي أصدرتها روسيا حتى الآن للرد على العقوبات الغربية ضمن نطاق التجميد لا المصادرة أو الاستيلاء على الأصول، على سبيل المثال قرارات نقل إدارة أعمال الشركات الغربية التي غادرت روسيا وأوقفت أعمالها فيها إلى إدارة مؤقتة. وهناك تصريحات روسية تتضمن التهديد بمصادرة أصول هذه الأعمال إذا زادت نسبة مشاركة الغرب فيها على الربع أي 25%، ومصادرة ممتلكات الأجانب والاستيلاء عليها؛ لكن ذلك مشروط باتخاذ أمريكا والدول الأوروبية أي إجراءات مصادرة واستيلاء على أصول روسية.

ورغم ذلك فإن تجميد الأصول يختلف تمامًا عن مصادرتها؛ فالتجميد معناه عدم إمكانية التصرف في تلك الأصول مؤقتًا لحين انتهاء الغرض من ذلك، أما الاستيلاء فيعني مصادرتها نهائيا وأخذها كأنها ضمن الممتلكات؛ حيث إن التجميد يدمر القيمة الاقتصادية للأصول عن طريق تجريم أي محاولة للتعامل بها أو الانتفاع من خلالها. لكن الاستيلاء والمصادرة تعني تغيير ملكية هذه الأصول. وهناك قانون سلطة الطوارئ الاقتصادية الدولية الصادر عام 1977م الذي بموجبه يتمكن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سلطة تجميد الأصول المملوكة للأجانب.