احترم قدرات ابنك

  • 124

خلق الله البشر مختلفين في الطبائع والألوان والأشكال وكذلك القدرات، فمنّا الأبيض والأسود، ومنا الطويل والقصير، كذلك فقدراتنا مختلفة.

وأبناؤنا مميزون حقًا باختلاف، وهذه فطرة الله التي فطرهم عليهم، فكيف منّا أن نطالبهم أن يصبحوا نسخة واحدة تلك التي نرى فيها الصفات المثالية حسب وجهة نظرنا، نريدهم جميعًا أن يكونوا ذلك الطفل المهذب اللطيف الذي يأكل جميع أنواع الطعام ولا يعترض على أي نوع، ثم يكون الولد المهندم حَسنُ المظهر طوال الوقت، فضلًا عن كونه من المتفوقين دراسيًا لا نرضى بذلك بديلًا، نريده أقوى من قرنائه يمارس الرياضة صيف شتاء، نريده سريع الحفظ سبّاقًا لمن في مثل سنّه حيث يتيح له ذلك ختم القرآن في فترة وجيزة.

فهل معنى ذلك أن من تنطبق عليه هذه الصفات هو الأفضل؟! هل تعلم أن المقارنة تدمر أي موهبة؟! إذا كنت من هؤلاء فرجاء توقف الآن ولتعلم أن الله خلقنا مختلفين، وأن لكل بشر قدرات مختلفة، ولتتأمل حالنا لدقيقة، ولتسأل نفسك ما الحال لو أصبح جميع الناس علماء مثلًا أو أصبح الجميع أطباء، فمن سيعلم ومن سيدرس ومن سيحيك لنا الثياب ومن سيبيع لنا متطلبات حياتنا؟!

ولتتأمل قول الله -عز وجل- (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فما ينبغي للمؤمنين أن يخرجوا جميعًا للقتال، فهلا خرج للجهاد منهم فريق، وبقي فريق منهم ليرافقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وليتفقهوا في الدين، قاعدة عظيمة جدًا يغفل عنها الكثيرون وهي توزيع الأدوار فلكل منا دوره.

فلتعلم أننا لن نكون نفس الشخص جميعًا ونعمل نفس العمل وإلا حدث خلل لا نستطيع معه النجاة، فلابد أن يكون منّا الفقيه ومنّا من يحرس بلادنا ومنا العامل ومنا المعلم وما غير ذلك. ثم اسأل نفسك هل تريد أن يكون ابنك نفس النسخة التي لم تستطع أن تكونها أنت؟! فلماذا لم تصبح أنت ما تريده؟! هل تقصير منك أم تلك قدراتك؟! لماذا إذن ترغم غيرك على ذلك؟!

وتأكد أنك حتى لو أرغمته على ذلك وقدراته لا تسمح فلن تجد النتيجة التي ترجوها، بل أنت تدمره تمامًا، تحوله لشخص غير راضٍ، يسعى دائمًا للصورة التي رسمتها دون جدوى، فيصبح مهزوزًا غير واثق في نفسه غير راضٍ عن نفسه وعن من حوله، والبعض منهم سيحاربك بكل قوته لتتوقف عن ذلك.

فرجاءً توقف عن ذلك واغرس في نفسك ثم في أبنائك أن النجاح هو السعي بصرف النظر عن نتيجته، كل شخص بقدراته يبذل أقصى ما في وسعه لتطويرها، وعلمه أن في الطريق عقبات وأن عليه الاستمرار، وألا ينظر لما عند غيره، بل يحمد الله عز وجل وليجتهد وليستمر وليرضى بما قدره الله له.