عاجل

أدوا الحق الذي عليكم وسلوا الله الذي لكم.. "برهامي": إذا أردتم عدل عمر فلتكونوا كالصحابة من رعيته

  • 112
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

قال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية: إن مِن أخطر الأمراض الاجتماعية وأسوأ الصفات الخلقية في أي تجمعٍ بشريٍ -ابتداءً مِن الأسرة إلى الجماعة إلى المجتمع والدولة- أن ينشغل الإنسان بتقصير غيره والنظر في عيوبه وأنه شماعة كل المصائب في نفس الوقت الذي ينسى ما عليه هو مِن واجباتٍ ويمتنع عن أداء الحقوق، كما يغفل عن أن تدبير الأمور ليستْ مِن الناس، بل الله وحده هو الذي يدبر الأمر بعَدْلِه وعِلمه وحِكمته بما في ذلك تولية الناس بعضهم بعضًا وتسليط بعضهم على بعض، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]، مشيرًا إلى أن الناس إذا أرادوا عَدْلَ عُمَر فليكونوا كالصحابة من رَعِيَّتِه؛ فـ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].

وأضاف "برهامي" -في مقال له بعنوان "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ" نشرته جريدة الفتح-: وعلى عكس هذا المرض الاجتماعي مِن تحميل الآخرين المسئولية مع الطعن والسب والشتم ونسيان الواجب على النفس جاء التوجيه النبوي العظيم الذي إذا أُعْطِي حقه مِن النظر صار منهاجًا للحياة -حياة المسلم مع كل مَن حوله- روى البُخَارِيّ ومُسْلِم -واللفظ له- عن ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟، قَالَ: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ".

وتابع: والأَثَرَةُ هي الانفراد بالشيء والاستئثار به عمَن له فيه حق، وذلك -عند جمهور أهل العلم- في الحُكّام والولاة الذين يستأثرون بأموال المسلمين ويصرفونها حسب أهوائهم ويمنعون المسلمين حقهم، وأما الأمور المنكرة فهي تشمل كل ما أُحْدِث مِن منكرات في العقائد والعبادات والمعاملات والظلم وسفك الدماء والبغي والصراع على الملك والرياسة والفتن التي وقعتْ بيْن المسلمين والاقتتال بينهم، مشيرًا إلى أن مَن قَرَأ التاريخ وَجَد مِن ذلك كمًّا هائلًا لا يُتَصَوَّرُ مع قرب العهد بزمن النُّبُوَّة حتى أدرك ذلك الصحابة المخاطبون، فضلًا عما بَعُد عن هذا العهد حالفا باللهِ أنه ما تَسَلَّطَ العَدُوُّ على المسلمين وبلادِهم إلا بما كسبت أيديهم "سنة الله في خلقه".


الواجبات التي علينا:

وأوضح "برهامي" أن الحديث السابق قد بَيَّن لنا خطة العمل الواجبة في الأَثَرةِ والمُنْكَرَاتِ، فقال: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ"، منوهًا بأن من الذي علينا ما يلي:

- إصلاح أنفسنا وبيوتنا وأبنائنا وبناتنا وزوجاتنا حسب الجهد والطاقة، بدلًا مما نراه في واقعنا أن الأب يلقي مسئولية الفساد على الأم، والأم تلقيها على الأب، وهما يلقيانها على الأولاد، والأولاد يرونهما في غيبوبة الماضي قد قَصَّرَا أشد التقصير في حقهم!

- أن نُحسِن إلى جيراننا وقرابتنا، بدلًا مِن إلقاء اللوم -بل العداوة- والبغضاء بيْن الأطراف كلها.

- النصح للمسلمين والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حكامًا ومحكومين، ومحاربة الفساد المالي والخلقي والسلوكي والعقائدي.

- أن نحافظ على سلامةِ دين المجتمع وأَنْفُسِ أفرادِه ودمائهم وأعراضهم وأموالهم، ومقاومة مناهج الانحراف الذي يريد الأعداء أن يغيروا به هوية المجتمع الإسلامي للتغريب والتدمير والتكفير، والخروج عن منهج السلف الصالح -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم-.

- وإن مما علينا لمجتمعنا وجماعتنا وطائفتنا وحزبنا: السعي في إصلاح الأجيال القادمة فكريًّا وعقائديًّا وعباديًّا وسلوكيًّا؛ تعريفًا لهم بالمنهج الإصلاحي الواجب اتّباعه حتى لا تأخذهم العواطف الجاهلة بعيدًا عن الطريق الواجب.

- أن نسعى إلى إخراج الكفاءات في جميع المجالات -دينيًّا ودنيويًّا-، وعدم كَبْتِها استئثارًا بالمال والجاه والمنزلة، وحب التصرف المنفرد المعروف بالديكتاتورية، مشيرًا إلى أن التربية على معاني الشورى الصادقة الصحيحة لهي مِن أعظم أسباب صلاح المجتمع، قال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38].


واختتم نائب رئيس الدعوة السلفية حديثه قائلًا: إننا إذا أصلحنا أصلَح الله أحوالَنا فكان هذا -عند ذلك- حقًا لنا نسأله مِن الله الحكيم العليم القدير العدل فيستجيب لنا ويرقق ويلين قلوب الخلق ويقلبها لخيرنا في الدنيا والآخرة، موضحًا أن هذا أعظم نفعًا وأثرًا مِن قضاء العمر في الشتم والسخرية والطعن وتضييع الأوقات في نشر الكراهية والصراع بيْن طبقات المجتمع.