"الله أكبر" صيحة مدوية انطلقت بعفوية تامة دون ترتيب مسبق.. لمحات من ذكرى انتصارات العاشر من رمضان

  • 34
الفتح - انتصار العاشر من رمضان - أرشيفية

قال الدكتور علاء بكر، الباحث والداعية الإسلامي: كان الرئيس السادات مهمومًا ببدء الحرب ضد إسرائيل لتحرير سيناء، وقد قبل السادات في بادئ الأمر مبادرة روجرز -وزير الخارجية الأمريكية- لوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة 90 يومًا، ودخول مصر وإسرائيل خلال تلك المدة في مفاوضات غير مباشرة يتولاها مبعوث الأمم المتحدة (يارنج) بشأن تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 242. 

وأضاف "بكر" -في مقال له بعنوان "أضواء على المشير أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المصرية في حرب أكتوبر 1973م (2-2)" نشرته جريدة الفتح-: كان بدء تطبيق المبادرة في أغسطس عام 1970، ولكن المبادرة لم تسفر عن جديد، فمع استجابة الطرفان لوقف إطلاق النار، فإن إسرائيل لم تفِ بالشرط الثاني، ولم تمارس أمريكا أي ضغط على إسرائيل للاستجابة للمفاوضات طبقًا لمبادرة روجرز، فما كان من السادات بعد انتهاء مدة المبادرة -الشهور الثلاثة-، إلا أن رفض مد وقف إطلاق النار أكثر من تلك المدة رفضًا لسياسة فرض الواقع؛ هذا رغم أن السادات لم تكن لديه حلول نهائية، فالجيش غير مستعد لشن حرب تحرير شاملة يحرر بها أرض سيناء بالكامل، مع صعوبة العودة لمواصلة حرب الاستنزاف مرة أخرى، فهي وإن كانت مكلفة ومرهقة لإسرائيل فهي أيضًا مكلفة لمصر، وبقاء الوضع على اللا حرب واللا سلم كما تريده أمريكا وإسرائيل كذلك أمر مرفوض. ورغم عدم وضوح الرؤية كانت توجيهات السادات لوزير الحربية وقتها الفريق محمد صادق بالإعداد للحرب. 

وأشار إلى أنه في 26 أكتوبر 1972 م الموافق 19 رمضان 1392 هـ، عين الرئيس السادات أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية وقائدًا عامًّا للقوات المصرية، وكلفه بإعداد القوات المسلحة للقتال بخطة مصرية خالصة.

وكانت أول جلسة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة -أي: مع قادة الجيش- تعقد برئاسة أحمد إسماعيل بعد 48 ساعة من توليه الوزارة -أي: في 28 أكتوبر- فكانت توجيهاته:

- أن القضية لن تحل سلميًّا، ومهمتنا تحرير الأرض بالقتال، والسبيل لتحرير الأرض هو القوات المسلحة.

- المهم أولًا التأكد وفورًا من كفاءة الخطة الدفاعية عن الدولة.

- يجب أن تشعر إسرائيل أننا قادرون وبشتى الوسائل على استرداد الأرض وتكبيدها خسائر لا تتحملها.

- من اليوم حتى بدء القتال يجب أن يستغل الوقت المتيسر وبجدية كاملة في سبيل المعركة، وهذا يتطلب إتقان كل فرد عمله، مع الجدية في التدريب، والمحافظة على السلاح، وتكاتف الجميع كفريق واحد يعمل لهدف واحد هو المعركة.

وتابع "بكر": وفي الاجتماع الثاني في الشهر الثاني من تولي القيادة كانت العجلة على الجبهة تدور بجدية، وأكد أحمد إسماعيل على:

- وجوب الاقتناع الكامل بأنه لا يوجد حل سلمي، وأننا عسكريون لا دخل لنا بالسياسة.

- لا بد من المعركة لحل القضية، وسنقاتل -بإذن الله-.

- إن المعركة ستكون شرسة، فلا بد من الاستعداد لها تمامًا. 

- إن المعركة ستكون بإمكانياتنا المتيسرة، وبحسابات دقيقة دون تهور، وفي الوقت نفسه دون تخاذل.

- إننا لسنا وحدنا في المعركة، فبعد الزيارة لسوريا تأكد إمكانية التنسيق معها، وستكون له نتائج حاسمة -بمشيئة الله-.


دعم الروح المعنوية لقوات الجيش:

أوضح "بكر" ما جاء في مذكرات المشير أحمد إسماعيل، قال المشير: (كان لا بد من دعم الروح المعنوية لدى قوات الجيش المصري، وما أكدت عليه هو أنني لم أغير من هؤلاء الرجال أو أبدلهم تبديلًا، وكل ما فعلته إذا كان لي فضل أني هيأت لهم المناخ الطيب والظروف الجيدة، وهنا تأججت نفوسهم وتوهج تحت النيران جوهرهم الأصيل. كانت مهمتي في سبيل ذلك -وكحلول عاجلة- أن أعيد الثقة للرجال برفع روحهم المعنوية. وإذا كانت الحرب امتدادًا للعمل السياسي، أو هي كما يقولون سياسة بالنار، فليس معنى ذلك خلطًا بين الاثنين، للسياسة رجالها وللقتال رجاله، ومِن ثَمَّ فنحن عسكريون لنا واجب وأمامنا مهمة، ومهارتنا تتمثل في كيف نرفع من درجة استعدادنا وكفاءتنا القتالية، لا أن نتحدث بالسياسة، وعبرة التاريخ أمامنا شاهد يقول: إن السياسة عندما تدخل الجيوش تفسدها).

وأضاف المشير: (لقد كنت مقتنعًا طوال فترة خدمتي العسكرية أن الرجل لا السلاح هو الذي ينتصر، فالنصر يكون أولًا في قلوب الرجال ثم يكتسبه الرجال في ساحة القتال، وعلى هذا لا يمكن للمقاتل مهما تكن رتبته أو درجته ومهما تعطه من سلاح أن ينجح أو ينتصر إلا إذا وثق في نفسه أساسًا، ووثق في قادته وسلاحه، وفي عدالة قضيته؛ كل هذا إلى جانب إيمانه أولًا وأخيرًا بالله).


صيحة: (الله أكبر):

قال المشير في مذكراته: (وقد ظن الكثيرون أن صيحة (الله أكبر) التي دوت في سماء المعركة منطلقة من قلوب جنود مصر قبل حناجرهم كانت صيحة متفقًا عليها، ولكن حقيقة الأمر لم تكن كذلك. ففي العام 1970 اقترحت الشئون المعنوية جعل صيحة (الله أكبر) هي الهتاف الذي يردده الجنود أثناء التدريب بدلًا من صيحة (ها) المعتادة، ولكن مع زحام الإعداد للحرب والغوص في التفاصيل نسينا الأمر حتى كانت حرب أكتوبر حينما بدأ الجنود العبور للضفة الشرقية، فانطلقت الصيحة مدوية بعفوية تامة ودونما إعداد مسبق. لقد كان ذكر الله -عز وجل- حاضرًا في المعركة في قلوب وأذهان الجنود، كانوا يعلمون أنه معهم وهم يدافعون عن الحق والوطن). 

وأضاف: (أتذكر هنا مقولة رددها رئيس الأركان الإسرائيلي (دافيد إليعازر) بعد حرب أكتوبر حينما قال: (كانت أكبر مفاجأة لنا في هذه الحرب كفاءة الجندي المصري وإصراره... واستعداده للتضحية بروحه لتحقيق هدفه).