ترتيبات اللحظات الأخيرة تكشف قرب تنحي "بوتفليقة" عن الحكم .. ولكن من هو "الوريث"؟

  • 101
بو تفليقة

تشهد الجزائر هذه الأيام تحركات مكثفة تمهيدًا لإعلان خليفة لـ"الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة" إثر معاناته بجلطة دماغية في عام 2013 غيَّبته عن البلاد قرابة العام ليعود وُيعاد انتخابه قبل عام من الآن وهو على كرسي متحرك في مشهد غريب على أي مرشح سياسي، ولعله كان مقصودًا لإعطاء الفرصة للنخبة السياسية المسيطرة للاتفاق على خليفة الرئيس المنهك صحيًّا.


ورغم البيانات الصادرة من ديوان الرئاسة الجزائرية، وتصريحات قيادات الحزب الحاكم التي تؤكد أن بوتفليقه (78عامًا) سيكمل ولايته الرابعة، التي انقضى منها عام واحد فقط، ونفي الأنباء التي تتردد عن تدهور حالته الصحية وأنه لم يعد قادرًا على إدارة شئون البلاد؛ إلا أن معطيات الواقع تؤكد أن "بوتفليقه"، الذي تعرض لجلطة دماغية نُقِل على إثرها مباشرة إلى مستشفى "فال دو قراس" العسكري بفرنسا ثم إلى مصحة "ليزانفاليد" بباريس، وأن هناك شكوكًا حول قدرته على إدارة شئون الدولة ومهام الحكم في البلاد؛ الأمر الذي دفع بعض أحزاب المعارضة للمطالبة بإعلان شغور المنصب وتنظيم انتخابات مبكرة، وفقًا للمادة 88 من الدستور؛ بسبب "عجز الرئيس عن أداء مهامه".


وتسود الجزائر حالة من الجدل بشأن شروع السلطات في "التحضير لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي"، رغم انقضاء عام واحد فقط على انتخابه لولاية رابعة؛ فبينما تؤكدها المعارضة معتمدة على ما تعتبره "مؤشرات ومعلومات موثوقة"، تنفي السلطات الجزائرية وأحزاب الموالاة ذلك بشدة.


فيما تبنت "هيئة التشاور والمتابعة" مطلب إجراء انتخابات مبكرة، وتعد الهيئة أكبر تكتل للمعارضة في البلاد، وتضم رؤساء حكومات سابقين على غرار علي بن فليس وأحمد بن بيتور وعدة أحزاب من كافة التيارات السياسية إلى جانب شخصيات مستقلة وأكاديميين.


وقال بيان صادر عن اجتماع لقادة "هيئة التشاور والمتابعة": "إن هناك إعادة ترتيب شكلي للسلطة بمنطق التدوير والتوريث (يقصد به من بوتفليقة إلى شخصية أخرى داخل النظام)، بعيدًا عن الإرادة الشعبية والمصلحة العليا للوطن؛ بسبب الوضع الصحي الصعب للرئيس".


بوتفليقة.. تضحيات لا تنتهي!
مدير ديوان الرئيس الجزائري، أحمد أويحيى، أكد أن الرئيس سيكمل ولايته الرابعة حتى عام 2019؛ ردًّا على مطالب المعارضة بتنظيم انتخابات مبكرة بسبب المتاعب الصحية التي يُعاني منها رئيس البلاد، وقال أويحيى: "إن الرئيس بوتفليقة هو الرئيس الحالي للجزائر، وسيستمر في ذلك حتى نهاية ولايته الرئاسية عام 2019".


وحسب مدير ديوان بوتفليقة، فإن ترشح الأخير لولاية رابعة كان تضحية منه، رغم وضعه الصحي؛ من أجل الحفاظ على استقرار البلاد وسلامتها.
وكان عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة البالغ (73 سنة)، استقال من منصب الأمين العام تحت ضغط قياديين في الحزب الذي يمثل ثاني قوة سياسية في المجلس الشعبي الوطني ولديه 68 نائبًا من أصل 462 نائبًا، ويأتي خلف حزب "جبهة التحرير الوطني".


وتطرح عودة أويحيى إلى رئاسة الحزب الثاني للسلطة نقاط استفهام حول طبيعة المهمة الجديدة لأويحيى في المرحلة القادمة، خاصة وقد ارتبط وجوده في هرم السلطة بالقرارات الاجتماعية الصعبة.


واللافت هنا ليس العودة المريحة لـ"أويحيى" إلى هرم حزب السلطة الثاني، وإنما طبيعة وشكل المهمة القادمة التي سيضطلع بها، وإن كانت في العموم لا تخرج عن إطار المشهد القادم، فإن الترتيبات المتسارعة للسلطة على أذرعها السياسية والمؤسساتية تشير إلى عملية تمهيد الأرض لوصول سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، إلى السلطة.


وتجنب أويحيى في خطابه الحديث عن الرسالة المثيرة للجدل التي وجهها الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني وقائد أركان الجيش، للرجل الأول في الحزب الحاكم عمار سعداني، لتهنئته بتزكيته على رأس "جبهة التحرير الوطني" خلال المؤتمر العاشر المنعقد مؤخرًا، ودعا مناضليه وكوادر الحزب إلى الانضباط وعدم الدخول في انتقاد المرحلة السابقة، ويعني بها الفترة التي قضاها سلفه ابن صالح على رأس التجمع الوطني الديمقراطي.

انتخابات مبكرة
من جانبه، اعتبر سليمان شنين، مدير مركز الرائد للدراسات السياسية بالجزائر، أن كل المؤشرات في الجزائر توحي بأن تغييرًا سيقع في القريب العاجل، والمرجَّح هو انتخابات رئاسية مبكرة؛ بسبب مرض الرئيس".


وتابع: "ما يحدث هو ترتيبات بين مراكز القرار داخل النظام من أجل انتقال "سلس" للسلطة من بوتفليقة إلى شخصية أخرى محسوبة على النظام، وهو أمر متفق عليه حسب رأيي منذ فوز بوتفليقة بولاية رابعة".


ولفت شنين، إلى أن المعارضة لا يمكنها أن تقف في وجه هذا التغيير؛ كونها لا تمتلك أوراقًا مثل الثقل الشعبي ولا حتى المؤسساتي لتراهن على تعطيله.


أما علي دراع، الكاتب الجزائري، فيرى أن ما يُثار عن وجود تغيير محتمل في هرم السلطة مجرد تخمينات، لا تستند إلى معلومات دقيقة، أو دلائل حقيقية؛ فما قام به الرئيس من تغييرات مؤخرًا هدفها تثبيت أركان حكمه وليس تحضيرًا لمرحلة أخرى، ونوه إلى أن النظام الحاكم إذا أراد التغيير فلا يمكن له أن يكشف أوراقه بهذه الطريقة، وما يحدث هو ترويج لفكرة التغيير بشكل يعطي أملًا بحدوثه لدى الشارع؛ وهو أمر في صالح السلطة الحاكمة نفسها لتفادي الضغط".


ليست شائعات
وأجرى بوتفليقة الشهر الماضي تعديلًا وزاريًّا على حكومة عبد الملك سلال، أنهى بموجبه مهام تسعة وزراء، أهمهم وزراء "الداخلية، الطيب بلعيز، والمالية، محمد جلاب، والطاقة، يوسف يوسفي"، إلى جانب تحويل البعض من قطاع إلى آخر، كما قام بتغيير عدد من مدراء كبريات الشركات الحكومية، مثل شركة النفط "سوناطراك" التي يطلق عليها الجزائريون "البقرة الحلوب".
كما شهد أكبر حزبين محسوبين على السلطة الحاكمة في البلاد عدة مستجدات؛ حيث تم تجديد الثقة في عمار سعداني، أمينًا عامًّا لـجبهة التحرير الوطني، وانتخاب بوتفليقة رئيسًا للحزب، فيما استقال عبد القادر بن صالح، الأمين العام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، ليفسح المجال لأحمد أويحيى ليخلفه في هذا المنصب.


ورغم نفي أويحيى أية نية للرئيس بوتفليقة لتوريث السلطة لأخيه الأصغر ومستشاره الخاص، سعيد بوتفليقه، كما يتردد، بقوله: "إن الجزائر ليست مصر، والرئيس لا ينوي توريث السلطة لأخيه، كما تردد المعارضة .. الجزائر ليست مصر، السعيد بوتفليقة، ليس نكرة في الساحة الجزائرية، ومن يعرفه من قريب أو من بعيد يعلم بلا أدنى شك أنه لا يلعب في هذا الاتجاه .. الجزائر ليست مصر".


ولعل تكراره لعبارة: "الجزائر ليست مصر" يؤكد أن الرئيس القادم للجزائر سيكون شقيق الرئيس؛ فمقارنة الجزائر بمصر يرضي الشعور الوطني للجزائريين الذين يرون أنهم الأحق بزعامة الأمة العربية؛ وهو نفس السبب الذي دفع بالعلاقات المصرية الجزائرية إلى مرحلة اللاعودة في عام 2009، بسبب مباراة كرة قدم بين فريقي البلدين حوَّلها النظامان المأزومان إلى معركة كرامة وطنية للخروج من مآزقهما الاقتصادية والسياسية، ورغم ذلك فشل مبارك وأسرته في الوصول لقلب الشعب المصري، وتم خلعه في ثورة 25 يناير 2011، بينما أجلت ثورة يناير وأخواتها في ليبيا وتونس توريث الحكم لسعيد بوتفليقة إلى حين توافر الوقت المناسب الذي يبدو أنه حان الآن.



الترتيبات المسبقة وزيارة هولاند
ولعل هذه الترتيبات هي التي دفعت بالرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى زيارة الجزائر والاجتماع بالرئيس بوتفليقة وأركان نظامه؛ حيث قال متابعون للعلاقات الجزائرية الفرنسية: إن زيارة هولاند إلى الجزائر لها صلة مباشرة بما يتم تسريبه عن قرب تخلي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن منصب الرئاسة لشخصية تحوز ثقة الأجنحة ذات الثقل في المؤسستين العسكرية والسياسية.


وفي الحقيقة فإن لمسة فرنسا كانت واضحة في التشكيل الحكومي الجديد بالجزائر؛ حيث صعدت إلى حكومة عبد المالك سلال العديد من الوجوه المحسوبة على باريس، وتم إبعاد الوجوه ذات الميول الأميركية.