قاطرة الفشل!

  • 183

من المعاني التي استوقفتني في قول رب العزة حكاية عن الكافرين  -في سورة الشعراء- وهم يتلاومون في النار أنهم يقولون «وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ».

وسبحان الله، بعدما حكى الله نزاعهم أخبرنا -بعد ثلاث آيات- أن في ذلك آية، وعقّب بقوله "وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ"!.

الذي استوقفني في هذا القول أنهم بعد كل ما فعلوه في الدنيا، وكل ما عاينوه في عرصات القيامة لا يزالون يلقون باللائمة في ضلالهم على غيرهم!

ما يزالون لا يعترفون بالخطأ والتقصير، وأنهم هم السبب فيما هم فيه من عذاب!

ومن عجبٍ قول الله تعالى عنهم في الموضع الآخر : «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»..

سبحان الله! ويكأن سبب ذلك أنهم لا يزالون يلقون باللائمة على غيرهم، فلئن ردوا ليكونن منهم مثل الذي كان!

وهكذا كل من لا يزال يصر على عدم الاعتراف بالخطأ فيكون كمن يلدغ من حجر واحد ثلاثين مرة.

وأنى لمن يلقي باللوم على غيره في خطئه هو أن يصحح هذا الخطأ؟!

ولذا كان من صفات المؤمنين أنهم لا يُلدغون من جحر واحد مرتين، كما قال النبي ﷺ.

ولما حكى سبحانه أوصاف المؤمنين في خواتيم سورة آل عمران ذكر عنهم أنهم كانوا يقولون: «رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ»

وهذه الآيات (خواتيم آل عمران) قال عنها النبي ﷺ: «ويلٌ لمن قرأهن ولم يتدبرهن»، لو تأملتها لوجدت هذا المعنى واضحًا بَيِّنًا.

ولو تدبرت لوجدت هذا المعنى أيضًا فيما أخبر به رب العزة عن حال الكافرين في النار في قوله تعالى في سورة الأعراف: «كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ»

وهكذا: إلقاء اللوم على الآخرين دائما هو قاطرة الفشل العنيدة..

وهذا ليس خاصًا بأمور الآخرة، بل إن الحال في  أمور الدنيا كذلك.

وإنه لمن سنن الله الكونية أن أولى خطوات إصلاح الخلل هو الاعتراف به، وأولى درجات تنامي الخلل هو المكابرة وتوزيع التهم مجاناً على الآخرين.

وانظر حولك ترى مصداق ما أقول !.