عدد وأحوال الأقلية المسلمة في فرنسا وبداية معاناتهم فيها

  • 22
الفتح - الأقليات المسلمة في فرنسا

تقع فرنسا في الجنوب الغربي من أوروبا وهي تطل على خليج بسكي والمحيط الأطلسي من الغرب وعلى بحر المانش من الشمال وعلى البحر المتوسط من الجنوب، وهي محاطة بست دول أوروبية هي: بلجيكا ولوكسمبورج من الشمال، وألمانيا وسويسرا من الشرق، وإيطاليا من الجنوب الشرقي، وأسبانيا من الجنوب الغربي، وتعد جزيرة كورسيكا جزءًا من فرنسا.

وتواجه الأجيال المسلمة الجديدة الموجودة في قارة أوروبا خطرًا داهمًا جراء تعرضها لمسخ الهوية الإسلامية والانسلاخ من الدين.


السلاسل الجبلية ومناخ فرنسا:

يوجد في فرنسا سلاسل جبلية من أشهرها جبال الألب وأحواض سهلية كحوض باريس وهضاب مرتفعة كالهضبة الوسطى، ويسودها مناخ بحري معتدل في الأجزاء الشمالية الغربية، وتصبح الأمطار أكثر موسمية في الداخل مع تركيز قمة المطر في فصل الصيف وتزايد المدى الحراري السنوي، أما الأجزاء الجنوبية، فتسودها الظروف المناخية للبحر المتوسط.


مساحة فرنسا:

تبلغ مساحة فرنسا 547,030 كيلومتر مربع وعدد سكانها 58,109,190 نسمة، حوالي 90% منهم نصارى و4% يهود والباقي مسلمون أو لا ينتمون إلى أي ديانة.


بداية غزو فرنسا والتحول السياسي:

دخل الرومان بلاد الغال عندما غزاها يوليوس قيصر وخضعت لهم حوالي نصف قرن، وفي القرن الخامس الميلادي، غزاها الفرنجة وأصبحت تسمى بلاد الفرنجة، وبرز منهم شارلمان الذي شملت إمبراطوريته في القرن التاسع الميلادي معظم أوروبا الغربية، وقد استبد لويس الرابع عشر بالحكم؛ إذ اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789 م التي أطاحت بالحكم الملكي وأقامت الجمهورية الأولى التي أعقبتها إمبراطورية نابليون.

وبعد عدة ملكيات وإمبراطوريات، أعلنت الجمهورية الثالثة 1870 م، ولكنها انتهت عام 1924 م، وفي مايو عام 1940 م غزت ألمانيا النازية فرنسا وحررتها قوات الحلفاء 1944 م بالتعاون مع قوات المقاومة الفرنسية التي تشكلت عام 1943 م بقيادة شارل ديجول، الذي أسس الجمهورية الرابعة في ديسمبر عام 1946 م، ويقيت فرنسا تحت حكم اليمين حتى عام 1981 م؛ إذ فاز فرانسوا ميتران، أول رئيس اشتراكي، وفي عام 1995 م فاز جاك شيراك بالانتخابات الرئاسية.


المناطق الجغرافية في فرنسا واللغة التي تتحدث بها:

تتكون فرنسا من 22 مقاطعة وهذه مقسمة بدورها إلى 96 إدارة، هذا بالإضافة إلى بعض الإدارات الواقعة خارج رقعة فرنسا الجغرافية؛ إذ يوجد عدد من الجزر والمناطق في آسيا وأفريقيا وفي المناطق القطبية تحت سيطرة فرنسا، ومع أن الغالبية العظمى من سكان فرنسا هم من أصل فرنسي، فإنه يوجد بعض الأقليات العرقية من الكلت واللاتين والسلاف والشمال إفريقيين وبعض الصينيين وكذلك أقليات من الباسك، وبالإضافة إلى اللغة الفرنسية التي يتحدثها معظم السكان يوجد في فرنسا عدد من اللغات واللهجات، مثل: البروفنسالية والكتالانية والباسك.


نبذة عن الإسلام في فرنسا:

تعود صلة فرنسا بالإسلام إلى القرن الأول الهجري؛ إذ أوقفت معركة بلاط الشهداء الزحف الإسلامي على فرنسا، ولكن الاتصالات مع فرنسا لم تتوقف طوال العصور الإسلامية، وقد استطاع المسلمون في العهد الأموي في إسبانيا أن يصلوا إلى مرسيليا ونيس وأقاموا المنارات على شاطئ البحر وكانوا يسمون السراسنة أو الشرقيون، ومن خلال هذه المنطقة دخلت بعض الكلمات العربية إلى اللغة الفرنسية.

وقد انطلقت إحدى الحملات الصليبية من جنوبي فرنسا عام 1095 م لانتزاع بيت المقدس من المسلمين، ولكن بعد سقوط القسطنطينية في القرن السادس عشر، وصل الزحف الإسلامي إلى قرب فرنسا "أبواب فيينا"، وقد وصلت إلى فرنسا موجة من المهاجرين المسلمين من أسبانيا بعد سقوط الحكم الإسلامي هناك.

ويذكر أنه في عهد هنري الرابع وصل من المغاربة إلى فرنسا حوالي 150 ألف نسمة.

ومن الجدير بالذكر أن بعض الفرنسيين درسوا في قرطبة وبعض المدن الإسبانية، والكثير من علماء الطب الفرنسيين يعودون بالفضل إلى ابن سینا وابن رشد، ويذكرون أن أول جامعة لتدريس الطب كانت في مونبيليه وظل يدرس فيها الطب الإسلامي حتى القرن السابع عشر الميلادي، وما زالت صورة ابن سينا تتوسط مستشفى هذه الجامعة.


بداية وصول الإسلام إلى شمال ووسط فرنسا وأشهر من دخل في الإسلام:

وصل المسلمون إلى شمال ووسط فرنسا وعاصمتها باريس في القرن التاسع عشر الميلادي عندما احتلت فرنسا الجزائر عام 1832 م؛ إذ سهل التنقل بين بلدان المغرب العربي وفرنسا.

وقد ذكرت بعض المصادر أن عدد الجزائريين بلغ 40 ألفًا في فرنسا مع بداية الحرب العالمية الأولى [اتحاد المنظمات الإسلامية، 1997 م].

ومنذ القرن الثامن الميلادي ووصول الإسلام إلى فرنسا أخذ بعض الفرنسيين يدخلون في الإسلام وإن كانت أعدادهم قليلة، ولم يحفظ التاريخ إلا أسماء معدودة من مشاهيرهم، وكان أحدهم الطبيب "فيليب غرونية" ابن أحد الضباط الفرنسيين الذي زار الجزائر وتعرف على الإسلام وأسلم، ثم أدى فريضة الحج عام 1891 م، ورغم أنه تعرض لحملة مغرضة لكونه ترك النصرانية، فإنه احتفظ بشعبيته وانتخب عام 1896 م نائبًا في البرلمان، وهكذا عرفت الجمهورية الثالثة أول نائب مسلم في برلمانها، وتوفي عام 1944 م.

وممن أسلم في القرن التاسع عشر الميلادي، إيفان دينيه، أحد الرسامين المستشرقين، والأديبة "إيزابيل إيبر هارد"، ذات الأصل الروسي، بعد أن تنكرت بزي شاب طاف بجنوبي تونس على حصان، لتتمكن من معرفة الإسلام عن قرب، ومنهم أيضًا "رونيه كونو" الذي أسلم عام 1912 م.

وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918 م)، احتاجت فرنسا لعمال من المغرب العربي، فأجبرت نحو 130 ألف مغربي على العمل في المصانع والمزارع الفرنسية، وجاءت فرق من المستعمرات الفرنسية تضم مسلمين من المغرب العربي ومن إفريقيا السوداء بلغ عددهم 20 ألف مسلم.


بداية معاناة المسلمين في فرنسا:

بعد استقلال الجزائر عام 1962 م، بدأت معاناة المسلمين في فرنسا، خصوصًا الذين كانوا في الجزائر وغادروها بعد الاستقلال؛ إذ أطلق عليهم الفرنسيون اسم الأقوام السوداء.

جدير بالذكر أن الذين عادوا إلى فرنسا كان بينهم بعض اليهود والمسلمين وغيرهم، ولكن المعاناة طالت المسلمين أكثر من غيرهم.

وقد قدر عدد المسلمين الذين عادوا إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر بحوالي 700 ألف نسمة، هذا بالإضافة إلى من أسلموا في فرنسا نفسها، أو ولدوا مسلمين؛ إذ كانوا يحصلون على الجنسية الفرنسية بمجرد ولادتهم في فرنسا، وإن كان هذا القانون قد تغير في السنوات الأخيرة.

وتواصل فرنسا معاداتها للإسلام والتضييق على المسلمين بمنعهم من أداء شعائرهم الإسلامية ويشمل ذلك التضييق عليهم في المساجد ومنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة وكذلك منع ارتداء العباءة في المدارس، كما أنها تكرر الإساءة إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم من خلال الرسومات أو الإساءة الأخيرة على لسان رئيسها ماكرون.

وذكر تقرير للجمعية الأوروبية لمناهضة الإسلاموفوبيا (CCIE)، أن النساء المسلمات هن الأكثر تعرضًا للتمييز على أساس ديني في فرنسا بنسبة 81%، مقابل 19% للرجال. في حين تقع معظم حوادث التمييز هذه، حسب التقرير ذاته، في المؤسسات التعليمية بعدد 168 حالة عام 2022، من بين 384 حالة تمييز في عموم المصالح العامة الفرنسية.

وفي 83 حالة تمييز للمسلمات داخل المدارس، رصدها التقرير، قالت الضحايا: إنهن تعرضن للتمييز بسبب لباسهن، بينما قد تذهب هذه الأفعال العنصرية حدّ حرمان الطالبات من متابعة دراستهن، أو دفعهن إلى ترك التعليم.

وفي أغسطس 2023م، أدانت لجنة تابعة للأمم المتحدة الحكومة الفرنسية بممارسة التمييز ضد امرأة مسلمة مُنعت من الالتحاق بتدريب مهني في مدرسة عامة بسبب ارتدائها الحجاب. وخلصت اللجنة إلى أن "رفض السماح للسيدة المسلمة بالمشاركة في التدريب وهي ترتدي حجابها يشكل تمييزًا على أساس النوع الاجتماعي والديني".

الابلاغ عن خطأ