مفترق طرق: معذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون

  • 260

Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4

تضمنت قصة أصحاب السبت التي قصها الله علينا في كتابه قاعدة عظيمة الأهمية في حياة المسلمين وهي "بيان فوائد الدعوة إلى الله غير الاستجابة الفورية من المدعو، وهي الإعذار إلى الله سبحانه وتعالى"، أي: إقامة عذر الداعي عند الله بأنه قد بلغ الحق للناس ولم يسكت ولم يقر باطلاً، ثم احتمال الاستجابة الآجلة في المستقبل من المدعو أو من غيره ممن يسمع الحق ولعله أن يؤثر في قلبه ولو بعد حين بالهداية لحظة يمن الله على من يشاء من عباده، وربما جعل السبب في ذلك كلمة صادقة من عند صالح يبغي نصرة الدين وإظهار الحق.

وبينت القصة عاقبة المعتدين وهلاكهم وكيف مسخهم قردة خاسئين، ونجاة الداعين إلى الخير الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، مع أنهم كانوا في قرية واحدة، وسكت القرآن عن الساكتين المثبطين القائلين: (لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا)، فاختلف العلماء في مصيرهم: هل نجوا أم هلكوا؟ لأن الله إنما بين نجاة الناهين عن السوء (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء)، قال عكرمة: "أراهم قد نجوا لأنهم كرهوا المنكر"؛ فكساه ابن عباس ثوبًا بما فرج عنه لأنه كان يقول : "قد رأينا أشياء فسكتنا" فكان يخشى على نفسه الهلاك. وما ذكره عكرمة يوافق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أنكر فقد سلم، ومن كره فقد برئ، ولكن من رضي وتابع....".

والقضية التي تواجهها أمتنا تقتضي العمل بهذه القواعد العظيمة؛ فكثير من منكرات تقال وتفعل فيشهدها ويباشرها أقوام ويغيب عنها آخرون، فينكرها بعضهم ويقرها بعضهم، فيكون لكل واحد حكمه.. وليست العبرة بالقلة والكثرة، ولا يجوز أن ينسب لمن أنكر ونهى عن السوء أنه مشارك فيه لمجرد وجوده في المكان كما يحاول البعض أن يحمل الدعوة السلفية وحزب النور مسئولية الدماء التي أريقت، والحرمات التي انتهكت، وكذلك أن يحملوهما مسئولية احتمال التغيير في هوية الأمة في الدستور لمجرد مشاركتهم، مع أنهم أبعد الناس عن ذلك؛ لأنهم أمروا ونهوا ولم يسكتوا وشاركوا ليقولوا الحق لا ليوافقوا على الباطل، وليقللوا الشر ويكثروا الخير.

أما النتائج فليست على الداعي؛ فليس كل ما نريده نقدر عليه، والتعامل مع الواقع يقتضي معرفة وتيقن به بعد المعرفة بالشرع ومراتب المصلحة والمفسدة من خلاله وترتيب أولويات العمل وواجبات المرحلة ومقتضيات العمل فيها، وليس بواجب غيرها من المراحل والذي أحيانًا قد يكون مجرمًا في واقع مختلف ومرحلة مختلفة.

ومن هنا كانت مشاركة حزب النور في لجنة الخمسين رغم كل العوار الذي اعترى تشكيلها، والظلم الذي ظهر لكل منصف في اختيار أعضائها المعينين غير النتخبين، والإقصاء المتعمد للإسلاميين بحيث يستحيل أن يكون صوتهم مؤثرًا في التصويت، لكن ليس مانعًا من القيام بواجب الإعذار إلى الله، ولعل البعض أن يهتدي، ولتمنع المشاركة من التطرف في كتابة الدستور بزعم أنكم دعيتم للمشاركة فلم تشاركوا فلا تلوموا إلا أنفسكم، وإن حاول البعض أن يلصق بالحزب تهمة الإقرار بالباطل، لكن الحقيقة أنه ما كان من باطل ومنكر من البداية فلم نصنعه نحن؛ ولكن صنعه غيرنا، وتسبب فيه غيرنا، ولكن نحن نتعامل مع واقع أليم غاية في الألم كتب علينا قدرنا أن نعيش فيه، ووجب علينا شرعًا أن نتعامل معه بضوابط مراعاة القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة والضرر المتعدي إلى ألاف بل ملايين المسلمين.

ثم بعد هذه اللجنة ستكون فرصة أخرى لإنكار الباطل إن أصر عليه أهله في الاستفتاء على التعديلات، فلابد أن نتواجد بدعوتنا في وسط الناس، ونجدد ما فقده الإسلاميون من ثقتهم ليتقبلوا نصحنا إذا نصحناهم، ونشعرهم بخوفنا على مصلحة ديننا وأمتنا ووطننا.

نسأل الله أن يجعلنا من عباده المخلصين.