حرب الشائعات

  • 229

أثبتت التجربة السابقة أننا في التيار الإسلامي نعاني من مشكلة خطيرة، ألا وهي عدم التثبت من الأخبار، مما أدى إلى انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة بيننا، وهذا أدى بدوره إلى تسعير الفتنة في كثير من الأوقات، وزيادة حدة التهابها. فإن التثبت من الأخبار قبل تصديقها –فضلاً عن إذاعتها- منهج قرآني أصيل يُستراح به من القال والقيل، ويوفر مِن طاقة الأمة المهدرة في الفتن ما يفيد في البناء، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، والفتن إنما تظهر بالإشاعات والأباطيل، وتنتشر بالقال والقيل مع خفة عقل في نقلتها، ورِقة دين تمنعهم من امتثال أمر الله بالتثبت وترك الاستعجال،عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ، فَقَامُوا فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا)".وعدم التسرع في نقل الأخبار لحين التثبت، وإذا ثبتت فيتأنى في نقلها، ولا سيما ما يخص الجانب الأمني؛ لأن في ذلك تأثيرًا على قوة الجماعة وثباتها، فلابد من الرجوع لأولي الأمر في مثل هذه الملمات، وعدم الإرجاف بها بين أوساط العامة، ومن ثم جاء هذا الأدب القرآني: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً). في هذه الآية الكريمة ذمٌّ للذين ينقلون خبر السوء ويشيعونه بين الناس دون تعقُّلٍ في نتائج نَقْله، وما يحدثُ عنه من ضَررٍ وكبير خطرٍ، وفيها تأديب من الله تعالى - لعباده يتضمَّن مبدأ التحفُّظ عند سماع الأخبار، والتثبُّت من أحوال نَقَلَتِها وظروف نَقْلها، وعدم التسرُّع في رواية الأخبار ونشْرها، وإن سَمِعها من إذاعة، أو قيل إنها من مصدر موثوق أو عن ثقة. وفي الصحيح عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (كفى بالمرء كذبًا أنْ يحدِّثَ بكلِّ ما سَمِع). ذلكم لأن كلَّ ما يسمعه المرءُ يختلط فيه الصدق بالكذب، والجائز بالمستحيل، ويتعرَّض بعض النَّقَلة لتأثير الهوى أو التعرُّض للوهم، فتُحدِث روايةُ الأخبار على عواهنها اضطرابَ الأحوال، واشتباه الأمور، وبلبلة الأفكار، ونحو ذلك مما يستغلُّه الأشرار، ويُسَرُّ به المنافقون والكفار. نخلص من ذلك إلى أن منهج الإسلام واضح ومحدد في طريقة علاجه للإشاعات، ونلخصه في أربعة نقاط مستنبطة من حادثة الإفك، التي رسمت منهجًا للأمة في طريقة تعاملها مع أية إشاعة إلى قيام الساعة : النقطة الأولى: أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا).النقطة الثانية: أن يطلب المسلم الدليل على أية إشاعة يسمعها يقصد بها الخوض في عرض مسلم أو مسلمة، قال الله تعالى: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء).النقطة الثالثة: أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بأية إشاعة لماتت في مهدها، قال الله تعالى: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا). النقطة الرابعة: أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبدًا، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي. فإذا حوصرت الشائعات بهذه الأمور الأربعة؛ فإنه يمكن أن تتفادى آثارها السيئة المترتبة عليها بإذن الله -عز وجل-.