بلى آن يا رب

  • 1562

قال أحد السلف :
 
" مساكين أهل الدنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا أطيَب ما فيها ، قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله ، ومعرفته وذكره ".
 
والمسكنة الأكثر والغبن الأكبر والألم الأشد سيكون في الآخرة لمن علم ولم يعمل ونصح بها ولم ينتصح ومن وصف له الدواء فأهمل وأعرض.
 
يا شباب..
 
السوق قائم فأدركوه..
 
والصحة موفورة فاغتنموها قبل فوات الأوان،
 
فالأنفاس تعد والرحال تشد والعارية ترد والتراب ينتظر الخد قال تعالى : (( إِنَّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدًّا )) وآخر العدد خروج النفس ووقوفك بين يدي الله تعالى..
 
أيها الجيل:
(( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ))
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن ، فقال: (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله  ))
 
وعن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله  )) إلا أربع سنين.
 
نخشى يا شباب أن يطول علينا الأمد ونركن لزخارف الدنيا ونتنافس على الشهرة والسمعة والتطلع للصدارة وحب البروز..
 
قال تعالى: (( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) ، وفي هذا يقول ابن القيم: خلقت النار لإذابة القلوب القاسية .
 
فعلاً نحن في حاجة أن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة ، فأحياناً نبتعد ونظن أننا نقترب ، معاقبون ونحن لا ندري ، محرومون ونحن لا نشعر..
 
قال ابن الجوزي: أن بعض أحبار بني إسرائيل قال: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري؛ أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟!!
 
ويقول الله سبحانه وتعالى في أخر الآيات حتى لا ينقطع الأمل وتيأس من نفسك وتستدرك ما فات : (( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ))
 
يقول ابن كثير : " فيه إشارة إلى أن اللّه يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال." أ.هـ
 
فكان حال المؤمنين عندما سمعوا هذه الآية (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله )) أن قالوا :بل آن يارب ، بل آن يارب..
 
حتى أن أحدهم يقول: إن أهل الليل في ليلهم – يقصد قيام الليل – ألذ من أهل اللهو في لهوهم!
 
فهل.. كن ممن استجاب فقال : بل آن يارب.