إياكم والإحباط!

  • 231

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:


فإني رأيت حالة من الإحباط قد أصابت البعض جراء الإرجاف ونشر الأكاذيب، وسعى الكثير من التيارات لهدم كيان الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور، الذين يبذلون من الجهد ما سيُعلم أثره قريبا إن شاء الله، فجزاهم الله خيرا!


فأحببت أن أكتب هذه النصيحة عسى الله أن ينفع بها، خاصة إخواننا وشبابنا ممن تأثروا بهذه الأخبار السلبية المحبطة، أو لم يلزموا غرز مشايخهم أو يستمعوا منهم؛ فأقول:


 - الإحباط  لغة: الإبطال ومرادفه الخيبة!! واصطلاحا حسب العلوم العصرية: "مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلي هدف ضروري لإشباع حاجة ملحة عنده".


وقيل: شعور الإنسان بالخيبة لفساد عمله وعدم تحقيق الغرض المقصود منه، ويعقبه حالة من اليأس ربما تؤدي لترك العمل بالكلية".


- ويحدث الإحباط عندما يكون الشخص مهيئا لتحقيق هدف ما، ومستعدا لعمل ما يوصله إليه، ثم يجد عائقا يمنعه من أدائه أو يعوقه عن تحقيق هدفه.

- ويختلف الناس في درجة الشعور به، لكن باستطاعة الإنسان بإيمانه وإرادته أن يتحمل مشاعر الإحباط وتخطيها!


- والإحباط من الأخلاق المذمومة التي تُعيق الإنسان عن بلوغ هدفه، وتسلمه لليأس والتكاسل والاستسلام لعدوه، وشعوره بالوهن والضعف عياذا بالله؛ لذلك لا بد من مقاومته بأنواع المقاومة المشروعة، ومن ذلك:

1- تنمية الشعور بالرضا حتى يقبل ما قدره الله له من الصحة والرزق والمنصب، يراجع في ذلك كتاب: "نضرة النعيم - صفة الإحباط".
قال الله تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى وصيته لابن عباس رضى الله عنه: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتب الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف"، وقال صلى الله عليه سلم: "كل شيء بقدر"، وقال أيضا: "جف القلم بما أنت لاقِ".

 
- وهذا يجعل العبد مطمئنا بالله تعالى راضيا به وعنه، تاركا الجزع أو القلق؛ فهو تعالى قد كتب مقادير كل شيء، وما كتبه لا بد من حدوثه, ويعلم أن اختيار الله تعالى للعبد خير من اختياره لنفسه، وهو رحمن رحيم, ويتوكل عليه فى جميع أموره؛ حيث إنه كاف من توكل عليه، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم توكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا".


- وهذا فى طلب الرزق، فما بالك بنصرة الدين الذى هو أعظم أنواع التوكل على الله تعالى؟! فبالإخلاص والصدق واليقين والتوكل على الله حق التوكل؛ يوفقنا الله تعالى فى دعوة الناس والتمكين لدينه تعالى.


- ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فقد كانت الأرض كافرة وشاع فيها الظلم والجهل, وبعثه الله تعالى للعالمين مبشرا ونذيرا, وقام يدعو إلى ربه تبارك وتعالى من يثق به سرا, ثم أمره الله تعالى بالجهر؛ فجهر؛ فتعرض لأنواع الأذى والاضطهاد لإبطال دعوته, فما لانت له قناة, واستمر فى دعوته صلى الله عليه وسلم على جميع أحواله فى منشطه ومكرهه حتى أعز الله تعالى به الدين, وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا, ويوم أذن فى الناس أنه خارج للحج اجتمع له أربعون ألفا يحيطون به صلى الله عليه وسلم من كل جانب، وما قبضه الله إليه إلا بعد أن أقر عينه صلوات الله وسلامه عليه.


* وهذا غلام أصحاب الأخدود (وهو غلام) لما هداه الله للحق قام يدعو إلى الله تعالى؛ حتى تهدده الطاغية ورام قتله, وفى كل مرة ينجيه الله منه، ثم رجع إليه, حتى قال له (مضحيا بنفسه): " إنك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس فى صعيد واحد, واصلبنى على جذع شجرة، ثم خذ سهما من كنانتى، ثم ضع السهم فى كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب هذا الغلام، ثم ارمنى به؛ فإنك إذا فعلت ذلك قتلتنى, فجمع الناس فى صعيد واحد, وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته, ثم وضع السهم فى كبد القوس، ثم قال : بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم فى صُدغه ومات؛ فقال الناس: آمنا برب هذا الغلام، فأُتى الملك فقيل له: أرأيتَ ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حِذرك, فقد آمن الناس ....." الحديث رواه مسلم.

- 2- التعود على الأخذ بالأسباب، والصبر على البلاء، وعدم اليأس أو القنوط إذا حدثت عوائق تحول بينه وبين المأمول, وعليه معاودة السعى مرة ومرات حتى يحقق الله عز وجل مسعاه.


- قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، و"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلكم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لايشركون بى شيئا"، و"يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"، و"ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، و"والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". 

- فعلى العبد أن يأخذ بأسباب نُصرة الدين، ثم إن أصابته نكبة فإنه يفتش فى نفسه فلا شك أنه من نفسه أوتى، كما قال تعالى:" أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم".

ثم يتوب إلى ربه تعالى ويراجع الحق ويستفيد من خطئه، ثم يعاود العمل بوسيله شرعية ومنهج قويم.

- ويجب أن يُعلم أن من أهداف دعوتنا: إيجاد الفرد المسلم الملتزم بدينه التزاما صحيحا عقيدة وعبادة وأخلاقا وسلوكا, ونسلك فى سبيل تحقيق ذلك جميع الوسائل المشروعة سواء في المسجد الذى بالنسبة لنا منبع ومصب أو خارجه، ومنه المشاركة السياسية كما هو معلوم للجميع التى غرضها اليوم إعلاء مرجعية الشريعة فى الدستور، وحماية الدعوة والدعاة، وتحصيل المصالح والمنافع للناس، ودرء المفاسد عنهم قدر الإمكان، ولم يكن هدفنا التصدر فى المشهد السياسى، وكانت هذه نصيحتنا لجميع التيارات، خاصة الذي يقول: إن مرجعيته إسلامية لكنا غلبنا وتحملنا أخطاء غيرنا, وكنا نعلم علما يقينيا أن هذا ليس نهاية الطريق, بل أول الطريق الشاق ونحتاج إلى مجهودات كبيرة للتهيئة وتعليم الناس أمر دينهم, مع إسداء النصح والتصحيح لأخطاء غيرنا حتى لا يكون السقوط الذى يتأثر به مصالح  الناس الضرورية والحاجية.

- هذا كان علمنا وبثثناه بين إخواننا، لكن البعض ظن أنها الخلافة والتمكين، وظل يشيع ذلك؛ رغم أنها ليست كذلك, فلم توجد شرائط التمكين ولا لوازمه! فكيف يكون تمكينا وخلافة؟! ثم لما كان السقوط الذى رأى الجميع أسبابه؛ شعر هؤلاء بالإحباط والخيبة التى نتكلم عنها, بل وساعد عليها هذه الفعاليات التى أتت بنتائج كارثية محبطة حذرنا منها مرارا وتكرارا، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فحقا عند نزول الفتن تعمى العين عن رؤية الحق وتُصم الأذن عن سماع النصيحة.

- وما زال الإرجاف ونشر أخبار الإحباط  من هنا وهناك، والتى تهدف إلى إسقاط الدولة ونشر الفوضى وغيره.


- وسؤالنا لجـماعة الإخوان وغيرها, هب أن الدكتور "أبو الفتوح" وجد مكان الدكتور "مرسى" وحدث هذا السقوط ! هل يكون موقفكم منه كموقفكم الآن؟! التاريخ يقول: لا! ومع ذلك ننصح كما نصحنا من قبل مرارا: لا بد من مراجعة فكرية ومنهجية تنضبط بها المواقف، واستدراك الأمر قبل انفراطه أكثر.


- وإلي إخواننا الذين تركوا أنفسهم للشبهات والأخبار السلبية تأكلهم أكلا:
اتقوا الله, وأفيقوا مما أنتم فيه, وقوموا بنشاط لتحقيق أهداف الدعوة إلى الله تعالى, وتجمعوا حول مشايخكم فى كل مَحِلَّة, وتعاونوا معهم على البر والتقوى كما قال الله تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى"، وقال الله تعالى فى الأثر الإلهى: "وجبت محبتى للذين يتناصرون من أجلى ".


- واحذروا مشاعر الإحباط واليأس أن تشيع بينكم من جراء الأخبار السلبية التى تشاع عمدا كما كنا نسمعها أو نقرأها من قبل عن فلسطين وغيرها، دون نشر الأخبار الإيجابية التي تبعث على الأمل والنشاط والحركة للنُصرة.


- يا إخواننا، نحن دعاة إلى الله تعالى, وأصحاب دعوة, والدعوة حياتنا ننفق لها حياتنا والغالى والنفيس عندنا، ونقدمها على كل شيء, وندعو إلى الله تعالى فى كل حين وفى كل حال، ولن نقف أو يوقفنا أحد عنها مهما كان شأنه، ثم نحن فى خير وعافية والحمد لله فى دعوتنا والتزامنا بديننا, ونرجو بدعوتنا بالحكمة والمواعظ الحسنة أن نغير الصورة الذهنية السلبية الموجودة عند طوائف عديدة من المجتمع عندنا.

- يا إخواننا، العالم ينتظركم وقد هيأ الجو لدعوتكم, فقد كنتم من قبل تطبعون النشرات والكتيبات ليعرف الناس من أنتم؟ واليوم قد سمع العالم عنكم، ويريدون أن يعرفوا من أنتم؟ وما دعوتكم؟ فانشطوا لدينكم وحذار من التكاسل أو الأخبار السلبية المحبطة, وتوكلوا على الله تعالى وأملوا خيرا .

- يا إخواننا، قد صارت لفظة الشريعة فى أذن كل فرد من الناس بفضله تعالى، ثم بفضل مجهوداتكم ودعواتكم, والناس تنتظر منكم أن تعلموها لهم بأحكامها ومحاسنها, وأن تهيئوهم لتطبيقها؛ فقوموا بذلك ولا تخذلوا الدين، وما ينتظره منك الناس سواء فى مصر أو فى العالم الإسلامى وغيره.

وعما قريب إن سرتم على المنهج السلفى لم تحيدوا عنه؛ فسيكون نصر الله تعالى بانتشار الالتزام بالدين وعبودية الفرد والمجتمع لله تعالى. 
         "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".