لماذا نتحفظ على ترشح إسلامي للرئاسة

  • 157

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الدين الإسلامى هو الدين الرباني الوحيد القادرعلى ملئ الفراغ الذي يعيشه الناس دولا وأفرادا ومجتمعات، وإخراجهم من عبودية البشر وفلسفاتهم المدمرة، ولا يشك فى ذلك إلا جاحد أو جاهل  بحقيقة الدين, لكن هناك فرق بين ثبوت ذلك عقيدة راسخة وبين أن يقوم على تطبيقها عمليا من يتولى رئاسة الناس ويتكلم باسم الدين وهوعاجز عن فهم الدين أوتطبيق أحكامه على أرض الواقع, لذلك لابد من قراءة الواقع قراءة موضوعية، والنظر في السنن الشرعية وطريقة تغيير المجتمعات, قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد:11)، والآية بها دلالة واضحة على أن التغيير يكون من خلال المجتمعات، وليس من خلال الحكومات, والناظر في الحقبة التاريخية السابقة يرى أن هناك موروثا تاريخيا خلفته الأنظمة المستبدة الحاكمة لفرض وتغيير ثقافة المجتمع والأفراد عن طريق رموز شعبيين استطاعوا تحصين الدولة ثقافيا وفكريا على وفق رؤيتهم بدرجة كبيرة، عبر وفود الطلبة الأتراك الذين أرسلتهم الإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن الـ 18 الميلادي إلى سويسرا وفرنسا، وعادوا منبهرين بالأفكار الليبرالية والقومية، التي أنتجت فيما بعد النزعة الطورانية، وحزب تركيا الفتاة، وكمال أتاتورك.

وفي المشرق العربي حطت رحالها عبر حملة نابليون على مصر. ولشدة انبهاره بالحضارة الغربية ونقل نموذجها إلى مصر وسائر البلاد العربية، اعتمد محمد علي باشا، أحد أقدم وأخطر رموز الفكر الليبرالي والتغريب والعداء السافر للدين، على البعثات العلمية المتخصصة والثقافية إلى أوروبا لترسيخ قواعد الليبرالية والهيمنة تاريخيا في مصر على يد رفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين، ولطفي السيد، ومحمد حسين هيكل، وإسماعيل مظهر، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، وسلامة موسى، وسعد زغلول وغيرهم.. وانتظم الكثير من هؤلاء في أحزاب سياسية أو تيارات فكرية أو نوادي أدبية أو جمعيات مدنية أو دور نشر وترجمة أو وسائل إعلام متنوعة لغرس هذه المفاهيم في المجتمع, فالقواعد التاريخية الفكرية عميقة الجذور وليست طارئة، فضلا عن الدعم الصريح من المرجعيات السياسية الدولية التي تدعم هذه النظم التي تحوى بذور العداء المستحكم لكل ثقافة محلية أو عقيدة أو شريعة ربانية, واستطاعت هذه الأنظمة عن طريق إعلامها الخبيث أن تعمل على تشويه صورة التيار الإسلامى، وأنهم لا يفهمون النظم الإدارية والسياسية والدولية وغير قادرون على إدارة البلاد, وأصبح هذا موروثا لدى مجتمعنا, ومما ساعد على تضخيمه حالة الإقصاء المتعمدة للتيارات الإسلامية عن المشاركة السياسية الحقيقية لاكتساب الخبرات الدولية في إدارة البلاد؛ مما أوجد بلا شك جزءا ليس بالهين من القصور في التعامل الجيد مع هذه الأنظمة, لذلك تغيير هذا الموروث لا يكون عن طريق إزالة هذه الأنظمة المُتجذرة في المجتمع والجلوس مكانها؛ لأن ذلك سيؤدى إلى صدام حتمي محسوم لصالح هذه الأنظمة.

فالإسلاميون في بلادنا فازوا بأكثر من ثلثي المقاعد، وتبوؤوا منصب الرئاسة، لكنهم في الواقع عاجزون عن ممارسة الحكم، وعاجزون عن الدفاع عن أنفسهم، وعاجزون عن رد الاتهامات, لذلك علينا ألا نتعجل الثمرة, علينا أن نجبر الكسر الذي أصابنا وذلك عن طريق الاختلاط بالمجتمع ككل بجميع أطيافه لإظهار الصورة الحقيقة للتيار الإسلامي التي تم تغييرها وتشويهها، وأن نشارك لاكتساب الخبرات التي تؤهل للحوار والإدارة لا أن نغالب غيرنا،  فالطريق ما زال طويلا يحتاج إلى صبر ومصابرة ومثابرة, لذلك رأينا عدم الزج بمرشح إسلامي تزداد به الصورة تشوها خاصة بعد الممارسة العملية التي رآها المجتمع في غضون السنة التي حكم الإخوان فيها البلاد. وهذا ليس تغيرا في المواقف بل هذه رؤيتنا من قبل لما ذكرنا من أسباب، وقد كان الإخوان يتفقون معنا في أنه ليس من الصواب أو الحكمة على الإطلاق أن يتقدم مرشح إسلامي في هذه الفترة، ولكن تغير موقفهم بناءا على نظرتهم الشخصية في دعم مرشح إسلامي فاضطررنا حينها أن نختار بين سيئ وأسوأ, أما اختيارنا فلن يكون النظر فيه بتعليق مستقبل مصر على فرد واحد، بل يجب أن تعتمد مصر في إدارتها على مؤسسات، وكفانا تعليق مستقبل مصر على أشخاص، فلا يوجد شخص مهما بلغت درجة ذكائه يستطيع إدارة البلاد وحده دون تكاتف جميع المؤسسات.

وأخيرا، يجب أن نقدم مصلحة الدين والوطن على المصلحة الشخصية, نريد رئيسا وطنيا لا يعادي الفكرة الإسلامية يجتمع عليه كل المصريين يحقق الاستقرار للبلاد. والحمد لله رب العالمين.