عاجل

حقيقة الإيمان والكفر

  • 189

حقيقة الإيمان والكفر

الإيمان لغة: التصديق، وشرعا: تصديق الرسول بما جاء به عن ربه، وهذا القدر متفق عليه ، ثم وقع الاختلاف: هل يشترط مع ذلك مزيد أمر إبداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب؛ إذ التصديق من أفعال القلوب، أو من جهة العمل بما صدق ذلك كفعل المأمورات وترك المنهيات؟
إلي أن قال: فالسلف قالوا : "هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان ، وعمل بالأركان؛ وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله؛ ومن هنا نشأ القول بالزيادة والنقصان كما سيأتي .

والمرجئة قالوا : هو اعتقاد ونطق فقط .
والكرامية قالوا : هو نطق فقط.

والمعتزلة قالوا : هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا في صحته، والسلف جعلوها شرطا في كماله.
إلي أن قال: وأما المقام الثاني فذهب السلف إلي أن الإيمان يزيد وينقص ، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين وقالوا : متي قيل ذلك كان شكا.
قال الشيخ محيي الدين النووي : والأظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة؛ ولهذا كان إيمان الصديق أقوي من إيمان غيره بحيث لا يعتريه الشبهة ، ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتي إنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينا وإخلاصا وتوكلا منه ، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها.

روي اللالكائي في "كتاب السنة " بسنده عن البخاري قال : "لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص".
وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً , فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى) (متفق عليه).

وقال ابن القيم رحمه الله: "لما كان الإيمان أصلا له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى إيمانا؛ فالصلاة من الإيمان ، وكذلك الزكاة والحج والصيام والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والخشية منه، والإنابة إليه، وحتي تنتهي هذه الشعب إلي إماطة الأذي عن الطرق؛ لأنه شعبة من شعب الإيمان".
وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة ، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذي عن الطريق ، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب ، ومنها ما يلحق بشعبة  إماطة الأذي عن الطريق ويكون إليها أقرب. وكذلك الكفر ذو أصل وشعب ، فكما أن شعب الإيمان إيمان ، فشعب الكفر كفر ، والحياة شعبة من شعب الإيمان ، وقلة الحياة شعبة من شعب الكفر ، والصلاة والزكاة والصيام من شعب الإيمان، وتركها من شعب الكفر ، والحكم بما أنزل الله من الإيمان ، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر ، كما أن الطاعات من شعب الإيمان.

قال ابن القيم رضي الله عنه: " لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمي مؤمنا، وإن كان ما قام به إيمانا ، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمي كافرا، وإن كان ما قام به كفرا، كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يسمي عالما، ولا من معرفة بعض مسائل الفقة والطب أن يسمي فقيها، ولا طبيبا.

ولا يمنع ذلك أن تسمي شعبة الإيمان إيمانا ، وشعبة النفاق نفاقأ ، وشعبة الكفر كفرا ، وقد يطلق علي الفعل كقوله : "فمن تركها فقد كفر"، و"من حلف بغير الله فقد كفر" رواه الحاكم في "صحيحه" بهذا اللفظ .
فمن صدر منه خلة من خلال الكفر؛ فلا يستحق اسم كافر علي الإطلاق.

وكذلك يقال لمن ارتكب محرما أنه فعل فسوقا لا أنه فسق بذلك المحرم ، ولا يلزمه اسم فاسق بغلبة ذلك عليه.
وهكذا الزاني والسارق والمنتهب لا يسمي مؤمنا وإن كان معه إيمان ، كما أنه  لايسمي كافرا وإن كان ما أتي به من خصال الكفر؛ إذن المعاصي كلها من شعب الكفر ، كما أن الطاعات كلها من الإيمان.