سجون الشباب

  • 207

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، وبعد:

كثيرا ما نسمع و نقرأ أن الشباب كانوا وقود الدعوة وشرارتها، وكلما دققت النظر وجدت أن أدوارهم فى المجتمع المسلم لا تخفى على أحد؛ فهذا أول وأخطر اجتماع في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعقده في دار الأرقم الذي كان فى السادسة عشر من عمره، وهذا أسامة بن زيد فى الرابعة عشر من عمره يجمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بيته أسرى بني قريظة، والأعظم من ذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (استقرءوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبى حذيفة، و أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل)(صحيح) ، وكانت أعمارهم من 18 : 20 عاما ، و يجهز النبي -صلى الله عليه وسلم- جيش أسامة بن زيد و هو فى السابعة عشر من عمره.

و محمد بن القاسم الثقفى فاتح بلاد السند والهند كان فى السابعة عشر من عمره، وتحرك بجيش أكثر من اثنى عشر ألف جنديا.

ومعاذ بن جبل يموت يوم يموت فيهتز لموته عرش الرحمن ويكون إمام العلماء يوم يبعثون "رمية بحجر"، وكل هذا ولم يبلغ الخامسة والثلاثين من عمره؟

والأمثلة كثيرة والفرق كبير بين عباد وعمار وهما يتسابقان على قيام الليل والحراسة وخدمة الدين، وبين شباب اليوم الذى يتسابق على (المزرعة السعيدة) و(الفيس) و(العلاقة مع البنات والحديث معهن على الشات).

ومن هنا كانت القضبان التى يصنعها شبابنا حول نفسه، ففى سجون الشباب لا متعة حقيقية بالحياة، لكن تقيد بالأغلال فى سجون الشباب.

أنت السَّجان، وأنت المسجون،وأنت المتهم، وأنت الضحية، وأنت من يدفع الثمن!

سجن المشاعر

الغيرة والحسد والكبر والعُجب والغرور والمقارنة بالآخرين والحب والبغض والاضطراب والتردد وغيرها، كلها مشاعر تقيد صاحبها وتُحول حياته إلى أشغال شاقة مرهقة .

سجن المعصية

 من أكبر السجون وأوسعها وأكثرنُزلائها الشباب ، ولما قال رجل للحسن البصرى : أُحب قيام الليل وأعد طهورى، لكنى لا أستيقظ  للصلاة. قال : قيدتك ذنوبك.

فكم قيدٍ قيدت به نفسك!!

أخى الشاب، أُحلُل قيدك،فبيدك مفتاح القيد! وتخلص من كابوس المعصية فالذنب على الذنب سوادٌ على سواد (... فأيما قلب أُشربُها نِكتت فيه نكتةٌ سوداء) (صحيح)،ولا تفتح على نفسك أبواب الفتن و المعاصى (... ويحك لا تفتحه؛ إنك إن تفتحه تلجه) (صحيح).

كم من شاب فتح على نفسه باب فتنة وشهوة فما استطاع أن يغلقه أو يخرج منه حتى الآن، مع كثرة محاولاته وصلاته ودعائه؟

كم من ألم الحسرة والشعور بالذنب وذل النفس أمام النفس وانكسارها عندما تقع فى المعصية وأنت تعلم أنها حرام؟!

إنها الجرأة على الحرام (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (البلد: 7).. (أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) (البلد: 5) .. (أَيَحْسَبُ ?لإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ) (القيامة: 3) .. (يُنَبَّؤُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ)  (القيامة: 13)، ومع ذلك فالتوبة نافذة أمل لإصلاح النفس، والتوبة سلوك تربوى عملى للشباب.

سجن الهوى

و من الشباب من يعبد هواه، يطيعه طاعة عمياء؛ فتارة عبد للشهوة المحرمة، وتارة عبدٌ للدنيا ومافيها، وتارة عبدٌ لرغباته وملذاته دون نظر إلى شرع ولا دين، ولا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- . وهذا نعيم بن مسعود يقول يارسول الله، مُرنى بما شئت ولا أعصى لك أمرا . إن هؤلاء ومن بعدهم كانوا يعرفون الطريق إلى الله وكيف يخرجون من سجن الهوى؛ وذلك باقتفاء آثار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (النور: 54).

سجن الحرص

 الشرَه الشديد والرغبة فى التملك والشراء مع البخل العجيب الذى يخرج الشاب عن سلوك القانعين، فما أشد تعلق الشباب والشابات بالشراء لأحدث ( موبايل )،أو أحدث ( كوتشى)،أو أحدث (تي شيرت)، أو حتى شراء ما هو مباح مثل الحلوى والشيبسى وغيره من المأكولات التى لا يشبع منها الشباب.

وفى قصة وفد تُجيب قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"وما حاجتك يا غلام؟ قال: حاجتى أن تدعو الله لى أن يغفر لى ويرحمني، وأن يجعل غنائي في قلبي؛ فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال قومه بعد عام: والله يارسول الله، ما رأينا أقنع منه، ولو أن الدنيا قَسُمِّت أمام عينيه ما نظر إليها وما التفت إليها".

 فالقناعة القناعة يا شباب، والرضا بما قسم الله تكن أغنى الناس.

سجن الملل

هذه حياة الشاب الذى تمر أيامه متشابهة"أمس كاليوم كغدٍ"؛ وماذاك إلا لأنه لم يتلذذ ولم يستمتع بطاعة ربه؛ فمن لاح له فجر الأجر هانت عليه مشقة التكاليف، وإذاأيقن العبد أن الله يرى مقامه لم يتسرب إليه الملل:

(هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بمسامع الملك)

ومن كان حريصا على الأجر لم يتوقف (إن الله لايمل حتى تملوا...واكفلوا من الطاعة ماتطيقون)، فلن يتوقف الأجر إذا استمر العمل، ولا تكلفوا أنفسكم فوق ماتطيقون فإن الجَمَلَ مهما طال صبره على مايحمله يأتى عليه زمانٌ يضعُف عن الحركة ويتوقف، ومن الشباب من ليس له هدف يصبوا إليه؛ فيتبدد برنامج حياته يوم بعد يوم، وعلى الشباب أن يُلَوَّنوا حياتهم بألوان الطاعات والمباحات كي يعشوا منطلقين فى حيوية .

سجن الموضة

أسر كثير من شبابنا وفتياتنا، وأصبح عدوك هو الذى يلون حياتك ويحدد اتجاهك حتى تَحَكَمَ فيك من مفرق رأسك إلى إخمص قدمك؛ فتسريحة الشعر على الموضة، وثوبك على الموضة، ونعلك على الموضة، رغم أنك إذا رأيت نفسك فى المستقبل لعلك لا تملك نفسك من الضحك على نفسك كيف كنت تلبس هذا البنطال الذى كشف مؤخرتك،أو كان ممزقا متسخا وكنت تراه على الموضة؟!

فما أسوأ أن تتبع الماركات والموضات دون بصيرة! فليس كل مايأتى من الغرب يتناسب مع مبادئنا السامية وأخلاقنا الرفيعة؛ فأنتم ياشباب الأمة، عماد الأمة وأملها وحاضرها ومستقبلها، فتخلصوا من التبعية لمن يلعب بعقولكم، واستجيبوا لربكم .

سجن الدنيا

وما فيها من ابتلاءات عقلية (الشبهات)،أو قلبية (الشهوات)، والملتزم الحق يظهر التزامه عند الشهوة والشبهة, فاستقيموا  ياشباب على أمر الله، والتمسوا العلماء فلا تتركوهم، واعلموا أن الدنيا ليست دار إقامة ولا مستقر، وتحرروا من سجونكم وفكوا أغلالكم واقتفوا أثر نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، واعملوا بكتاب ربكم عزوجل، حرركم الله وفك أسركم ونفعكم بكم!

وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.