ميثاق الشرف الدعوي

  • 159

الأصل في ميثاق الشرف أنه التزام أخلاقي يفرضه الإنسان على نفسه طوعاً، ولا يفرضه عليه غيره، وكلما كان الميثاق متوازناً كلما كان أدعى إلى الالتزام به من الجميع.

بيد أن ميثاق الشرف الدعوى لا يعدو كونه عقد إذعان يُسلم فيه القابل بشروط مُجحفة يضعها المُوجِب الذي لا يقبل مناقشتها لأنه يراه احتكار قانوني أو فعلي.

فقد خلطت ألفاظه بين حق لا مِراء فيه، وباطل لا لبس فيه، في عدم تجانس عجيب.

وجاء متعارضاً مع جملة من حقوق البشر تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأقرتها كافة المواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها مصر، وسطرتها في دستورها، فمن ذلك :

- حرية إقامة الشعائر الدينية.

- حرية الرأي والتعبير عنه.

- حرية تكوين الجمعيات والاتحادات والنقابات والانضمام إليها وممارسة نشاطها بحرية.

ويرسخ الميثاق لحالة من الكهنوت الذي لا يعترف به الإسلام.

فهل المعيار هو الكفاءة أم كونه من طائفة معينة ويحمل فكراً محدداً؟!

وهل كان الأئمة الأربعة وغيرهم أزهريون، بل أين كان الأزهر نفسه حينها؟!

وما هو حال الدعوة في البلاد الإسلامية التي لا أزهر فيها؟!

لماذا رفض الإمام مالك رحمه الله تعالى طلب الخليفة أبو جعفر المنصور تعميم الموطأ على الناس وإلزامهم به؟!

وهل كل من انتسب للأزهر كفاءة، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، أليس منهم مُسيسون، ومن تورط في العنف، ومن هو دون المستوى الدعوي؟!

أليست وزارة الأوقاف إحدى وزارات الحكومة القائمة، ووزيرها الحالي – خريج اللغة العربية -  أحد رجال السلطة التنفيذية " سياسي "، والذي يلتزم بسياسة الدولة، ويتغير موقفه تبعاً لتوجهات الوزارة؟!

هل سيتم منع الصحفيين والمهندسين والمدرسين والأطباء وخلافهم من الانتماء للأحزاب بنفس المنطق؟!

هل فصل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله تعالى بين الدعوة والسياسة الشرعية؟!

لاشك أن الميثاق مع القانون رقم 51 لسنة 2014 يعدان  بمثابة تأميم للدعوة، وجعلها على مقاس نظام الحكم وهواه، ومغازلة لبعض القوى الداخلية والخارجية.

وهو جزء من خطة أمنية يجري تنفيذها حاليا ومعروفة بـ "تجفيف المنابع"، وأن الهدف ليس منع ارتقاء المتطرفين المنابر لنشر أفكارهم وتشكيل قواعد لهم عبر المساجد الأهلية، بل أيضا منع رموز الخطابة من غير الرسميين من معارضة النهج الحكومي وتحقيق شعبية يعجز عنها أئمة الوزارة الرسميون؟!

أما دعوى أن كل مهنة تُحظر ممارستها إلا بترخيص، فالمحامي لا يدخل المحكمة للترافع من دون ترخيص من نقابته، كذلك الطبيب والمدرس وغيرهم، فلماذا المساجد هي التي تكون لكل من هب ودب رغم أنها مسؤولية من أخطر ما يكون؟!

 فالدعوة تسمو على كل المهن، ولا يمكن حصرها في طائفة دون غيرهم لأنه لا كهنوت في الإسلام، كما أن المحامى والطبيب والمدرس وغيرهم يمارسون أعمالهم بمجرد تخرجهم وانضمامهم إلى النقابة، سواء تخرجوا من جامعات حكومية أو خاصة، ولا يحاسبهم على ممارسة نشاطهم المهني سوى نقابتهم، ولا يوقعون على "استمارة التعارف" التي تفرضها الأوقاف على من يحاول الحصول على تصريح، وتشمل الأب والأم والزوج والأولاد والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبنائهم!!

لقد صدق الشيخ أحمد كريمة "الأزهري" حين قال : إن وزارة الأوقاف الآن لا تحكم بـ«عمامة الشيخ» ولكنها تحكم بـ«كاب الأمن»، مؤكدًا أن قرارات الوزارة الأخيرة تشحن المواطنين ضد الدولة، و أن قانون الخطابة، ومطالبة المعتكفين بتسجيل بياناتهم قبل الاعتكاف، هي قرارات «غير شرعية»، و تعني أن الدولة تقف ضد الدين، وتحارب الإسلام، وتعطي غطاءً لادعاءات جماعة الإخوان المسلمين.

إن الغرض النهائي من هذه القوانين والمواثيق هو منع الجماعات الدعوية بحجة أنهم غير أزهريين، ثم منع الأحزاب بحجة أنهم على أساس ديني، والخلاصة لا دعوة ولا سياسة [ إقصاء واستئصال كامل ].