علامات على الطريق

  • 152

 اليأس علامة على ضعف الإيمان، وضعف التوكل على الله، فلا تقعوا في شِراكه، وابشروا بالله، وضعوا رجاءكم فيه وحده، ولا تنتظروا من غيره صرفا ولا عدلا، قال تعالى: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} [النور: 11]، فأحسنوا الظن بربكم، واعلموا أن للدعوة رب يحميها، وأن ما يحدث هو إشارة وتوجيه للطريق الصحيح؛ وهو العمل، وترك الكسل، واعلموا أن الخير لا يعلمه إلا الله، وارضوا بقضاء الله وقدره.

إن الله مع من يلتزم بشرعه، ويحققه، ويحَكِمَهُ، ويلتزم بالنهج النبوي السليم، فإن كنا كذلك، فنحن على الحق وإن الله معنا، وإن لم نكن، فلا نلومن إلا أنفسنا، فهو تعالى يهدينا إليه، أو يعاقبنا على البعد عنه.

إن ما نمر به اختبار لنا وتمحيص، ويجب أن ُنري الله من أنفسنا صدقا وإيمانا، فهل نصبر؟

أم ماذا سنفعل؟ هل نلجأ إلى الله، ونتضرع، أم نبحث عن بشر ضعيف، نستجديه ليفتح لنا المجال؟

هل نسب، ونشتم، ونكفر، ونعنف، ونُنَفق، ونؤثم؟ هل سنفقد الثقة بالله؟

هل نتنازل عن أخلاقنا للضغوط، بينما أنكرنا هذا على غيرنا؟

هل سنفقد الثقة بمشايخنا، الذين لم نجرب عليهم إلا الخير؟

إنه اختبار كبير لنا، ولو نجحنا فيه سنمر منه على خير منه إن شاء الله، فأحسنوا التعامل، وأحسنوا الأخلاق، وأظهروا في أزمتكم أفضل ما فيكم، تقربا لله، وهو يدافع عنا، وثقة فيه تعالى، وأحسنوا الظن بربكم.

فدعوتنا المباركة ليست من ذلك النوع من الدعوات التي تنجح في أولها، ولا في أوسطها، لكنها من ذلك النوع الذي ينجح في نهايته، وكل من حاول الاقتراب منها كانت نهايته أسبق من تحقيق هدفه بالقضاء عليها، فلا تقلقوا للدعوة رب يحميها.

في وقت من الأوقات ترك كثير من الأخوة الدعوة، وانشغلوا بالكلام في السياسة، فغضبت دعوتنا وخاصمتنا وأدارت لنا ظهرها، ولسان حالها يقول: تركتموني وحيدة، وكأنكم لا حاجه لكم بي!

فربما ما حدث يجعلنا ننتبه إلى معنى هام وخطير، وهو التقصير في الدعوة بحجة السياسة، وهنا وقفه لنا جميعا، وهي قد علمنا أننا بدون الدعوة لا شيء، وأنها زادنا في الطريق إلى الله، فإننا قد نقبل بمنع حرياتنا لكننا لا نقبل بمنع حرية الدعوة.

فشمروا السواعد مرة أخرى، وانطلقوا دعوةً بين الناس، وتحبيبا لهم في دينهم، وتقريبا لهم من ربهم، فهو وكيلنا، ودعوتنا زادنا.

تخيلوا معي قوله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25]، فما المانع إخواني الكرام أن يكون قد أعجبتنا كثرتنا، وببعض البشر قويت علاقتنا فاتكلنا عليها، فوكلنا الله إلى أنفسنا، قد حدث هذا مع من هم أفضل منا، ولعل ما نراه اليوم ضدنا؛ لنستفيق، ونتذكر أنه ليس لنا إلا الله تعالى، فلا حاكم ولا محكوم يدوم.

توكلوا على الله حق توكله، وتعلقوا برب الأسباب، ولا تتعلقوا بالأسباب، ولا تجعلوا من النتائج مقياسا أبدا لحسن أو سوء عمل، أو قبول أو رفض آخر، أو لصحة من خطأ، فقد روى البخاري في صحيحه :عَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ" [البخاري:5705]، فهل يلام النبي الذي أتى ومعه رجل، أو ليس معه أحد على أنه ليس معه أحد، أم يلام على التقصير في الأخذ بالأسباب إن قصر فيها .. فما يضركم إلا عدم العمل، وليس عدم النتائج.

التضييق فرصة عظيمة للمراجعة، وتصحيح المسار، وتعديل الأفكار، والحاجة أم الاختراع ... فكم سكتنا وتكاسلنا لما اطمأنت قلوب بعضنا، وكأننا فزنا، فكانت النتيجة ركون وراحة ونسينا كلام ربنا في الحديث القدسي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، قَالَ: «وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [أخرجه ابن حبان في صحيحه 2/ 406، وقال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 742: حسن صحيح]
فمرحبا بخوف الدنيا إن كان في مقابله أمن الآخرة، فنترك لهم الأمن في الدنيا، حتى نحصله نحن في الآخرة إن شاء الله.

تذكروا، كما أننا وقفنا إلى جانب كيان الدولة، كنا نعلم أن الكثيرين منه يرفضون وجودنا، فلم نأبه لهم، ولم يثنينا هذا عن مشوارنا، بل تقدمنا فيه لله، وقدمنا المصلحة العامة على الخاصة من أول يوم، فلا تنتظروا منهم شيئًا أبدا، فإن كان من نعمة فمن الله، وإن كان من غير ذلك فمنا، ومن أنفسنا وأعمالنا، وليس من غيرنا.

والله إني مستبشر رغم كل هذا، فقد مررنا بما هو أصعب بكثير ... ونجونا، فكنا نقتل، ونهان في الشوارع أيام أحداث 3 -7-، وكنا نسب، ونكفر على أيد ضلال فرقوا صفنا، وأضعفوا وحدتنا؛ لكن استعدناها بفضل الله...

بل تذكروا الدستور، وكيف كنا، وكيف كانوا، ثم كيف أصبحنا، وكيف أصبحوا، ثم انقلب الحال، وخرجنا منه فائزين بفضل من الله رب العالمين في آخر سويعات، بل تذكروا مبارك سقط في أول خطته التي أعدها أعوانه للقضاء على الدعوة.

الحرب النفسية شديدة، نعم لكن المحارب الذي تسقط نفسيته، يسقط سلاحه؛ فتسقط روحه، ومن بعدها شرفه، وبلده، فلا تستجيبوا للضغوط، واجعلوا منها دافعا، واستبشروا، واعملوا أن الله معكم طالما نصرتموه، ولن يكون معكم إن خذلتموه.

- اجعلوا أمورنا كعصير الليمون... طعمه مر؛ لكن إن أحسنا صنعه، وأضفنا إليه سكرًا فيتغير طعمه ويصير أحلى من كثير من العصائر... وسُكْرُنَا هو حُسن الخلق، وحُسن الظن بالله، وحسُن العمل، وحسُن النية.

الأمور قد لا تتغير... لكن نظرتك للأمور قد تغيرها... وتعاملك معها سبب لتغيرها؛ فأحسن النظرة، وانظر للجانب المضيء من الصورة، ولا تنظر فقط إلى الجانب المظلم... فكم من أمور اختلفت نظرة الناس إليها فبعضهم أحبها ورضي بها؛ فدافع عنها، وبعضهم كرهها، ورفضها؛ فحاربها... بينما الأمور هي هي نفسها.

- دلوني على من تعرض للدعوة واستطاع أن يمنعها:

يمنع بعضها كل الوقت، أو يمنعها كلها بعض الوقت؟

دلوني على من تعرض لها فظهر هو، واختفت هي، أو بقي هو وانتهت هي؟ 

الحمد لله، منذ أربعين سنة لم تفلح خططهم للقضاء عليها، بل لم تفلح حملات تشويه الصورة إعلاميًا، ولا حتى إسلاميًا من قبل بعض الجماعات الإسلامية.

لديكم كنز ثمين، فتمسكوا به، وضحوا من أجله، واصبروا مهما نالكم من أذى، فنحن أحوج لدعوتنا من حاجتها لنا.

والله خير حافظا، وهو أرحم الراحمين.